دعت لجنة الاتصال العربية في اجتماعها بمدينة العقبة الأردنية بتاريخ 14 كانون الأول 2024 إلى دعم العملية الانتقالية في سوريا وفق قرار مجلس الأمن 2254 لعام 2015، وقد تلازمت تلك الدعوة مع اقتراح إنشاء بعثة أممية لمساعدة سوريا لدعم العملية الانتقالية ورعايتها.
لكن ما هي بعثات الأمم المتحدة وما هي صلاحياتها:
تعد البعثات الأممية وسيلة لمساعدة الدول في مرحلة ما بعد النزاع، حيث تنشأ من قبل مجلس الأمن بهدف العمل على تهيئة الظروف الملائمة لبناء السلام.
تتمتع تلك البعثات بصلاحيات واسعة تتخذ أشكالاً عدة تتركز عموماً حول تدابير بناء الثقة، وترتيبات تقاسم السلطة، وتنظيم العملية الإنتخابية، وتعزيز سيادة القانون. إلا أن صلاحيات البعثة تختلف حسب ظروف بلد النزاع.
بعثات الأمم المتحدة من التجارب الدولية: في كوسوفو مُنِحت بعثة الأمم المتحدة للإدارة المؤقتة صلاحيات واسعة بموجب قرار مجلس الأمن 1244 لعام 1999، حيث تولت الوظائف الإدارية الأساسية، وتنظيم المؤسسات الانتقالية، والإشراف على عملية نقل السلطة، ودعم المساعدة الإنسانية، وإنشاء شرطة محلية وحماية حقوق الإنسان، وإدارة القضاء، وضمان عودة اللاجئين.
أما سلطة الأمم المتحدة الانتقالية في كميوديا التي أُنشئت بقرار مجلس الأمن 745 لعام 1992 فقد كانت صلاحياتها أقل حيث تركزت على إجراء انتخابات، وتسريح الأطراف العسكرية لقوات النزاع، وإعادة النازحين واللاجئين وتأهيلهم.
اقرأ أيضاً: مجلس الأمن: سوريا على مفترق طرق بين استعادة الاستقرار أو…
بينما نجد أن بعثة الأمم المتحدة في العراق التي نشأت بقرار مجلس الأمن 1500 لعام 2003 قد مُنٍحت صلاحيات واسعة ومن ذلك أنها شملت تعزيز الحوار السياسي والمصالحة، والإصلاح القضائي والقانوني، وتعزيز حماية حقوق الإنسان، ودعم العملية الانتخابية في البلاد، وإصلاح قطاع الأمن بما في ذلك بشأن قضايا أمن الحدود والطاقة والتجارة والبيئة والبنية التحتية والصحة العامة واللاجئين وحقوق المرأة والمساواة.
أما بعثة الأمم المتحدة في ليبيا التي أنشئت بقرار مجلس الأمن 2009 لعام 2011 بهدف دعم العملية السياسية في البلاد فقد تم تكليف تلك البعثة برصد حالة حقوق الإنسان والإبلاغ عنها، ودعم المؤسسات الليبية الرئيسية والجهود الرامية إلى تأمين الأسلحة غير الخاضعة للمراقبة، وتوفير الخدمات الأساسية وتقديم المساعدات الإنسانية، وتنسيق المساعدة الدولية.
ويمكن لمجلس الأمن تمديد ولاية البعثة سنوياً، وقد تمتد فترة عملها من السنتين دون تحديد موعد نهايتها، فما زالت بعثة الأمم المتحدة في العراق تمارس عملها منذ نشأتها عام 2003 وحتى الآن.
يرأس تلك البعثات الممثل الخاص للأمين العام في البلد المعني، ويقوم بدور الإشراف والتنسيق وتقديم التقارير إلى الأمين العام حول عمل البعثة.
يتراوح عدد البعثة بين بضع المئات من الموظفين الدوليين والمحليين، وقد يصل عدد أفراد بعثة الأمم المتحدة إلى الآلاف كما في كمبوديا حيث بلغ عدد أفرادها 22000 فرداً منهم أفراد شرطة وقوات عسكرية.
وقد أثبتت التجارب العملية أن تلك البعثات تمارس بالعموم صلاحيات واسعة حيث تتدخل في شؤون البلد وتملي التوجيهات على سلطات البلد، وتتدخل في الشأن السياسي وهو ما يجعل من دورها أقرب إلى الوصاية التي تنتقص من سيادة الدولة واستقلالها.
في الحالة السورية، لو تم إرسال بعثة أممية إلى سوريا لن يقتصر دورها على الإشراف على عملية الانتقال السياسي، بل قد تُمنح صلاحيات واسعة تسمح لها بالتدخل في السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وإصلاح القطاع الأمني، باعتبار أن جميع تلك المؤسسات وصلت إلى مرحلة الانهيار وتحتاج إلى إعادة بناء أو على الأقل إعادة هيكلة ، بمعنى أن البعثة الأممية ستمارس نفوذها على كافة المؤسسات الوطنية.
وبمقارنة عمل البعثات الأممية مع قرار مجلس الأمن 2254 من حيث المضمون، نجد أنه ينص على إجراء العملية السياسية في سورية بملكية وقيادة سورية، حيث تقوم هيئة الحكم الانتقالي بإيجاد آلية لصياغة دستور جديد والاستفتاء عليه، والعمل على إنجاز البيئة الآمنة والمحايدة لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، وكل ذلك ضمن فترة لا تتجاوز ثمانية عشر شهراً وفق القرار المذكور. بينما يقتصر دور المنظمة الأممية على تيسير العملية، وتقديم الخدمات والمساعدة في حال الحاجة إلى ذلك، بمعنى أن الأمم المتحدة لا تملك أي صلاحيات فعلية تسمح لها بالتحكم والوصاية.
إن الواقع الراهن في البلاد يتطلب إتمام المرحلة الانتقالية بين الأطراف السورية مع مراعاة حقوق الجميع من أجل قطع الطريق على الخطاب الشعبوي، وعدم إيجاد مبررات تستدعي تدخل أطراف خارجية تسعى لتحقيق أجنداتها على حساب مصلحة الشعب السوري.
لكن ذلك لا يعني الاستغناء عن دور الأمم المتحدة ولا سيما من خلال المساعدة في المجال الإنساني ودعم عملية الإصلاح المؤسساتي، وبناء القدرات المحلية، والأهم من ذلك دعم ملف العدالة والمساءلة عبر إنشاء محكمة جنائية خاصة تضمن ملاحقة مجرمي الحرب، ومطالبة الدول بعدم توفير ملاذ آمن لهم يسمح بإفلاتهم من العقاب.