مستقبل إدلب بعد سوتشي في حوار مع عدد من الشخصيات السورية

عبد الملك قرة محمد

 

أثار غموض القمة الروسية التركية في سوتشي تساؤلات كثيرة، لا سيما بعد عدم إصدار بيان ختامي يكشف ما تم الاتفاق عليه حول مدينة إدلب.

وزاد الأمر غموضًا التصريحات المتناقصة، حيث أكدت روسيا التزامها بإخراج الإرهابيين من إدلب، في حين شدد أردوغان على ضرورة عودة المزيد من السوريين إليها بعد استتباب الأمن.

صحيفة حبر حاورت عددًا من السياسيين والصحفيين للحديث عن مستقبل مدينة إدلب بعد الاجتماع الأخير.

التصريحات الروسية التركية قد لا تطابق الواقع

العقيد (مصطفى فرحات) رأى أن التصريحات الدبلوماسية مطمئنة، لكن ليس من الضرورة أن تطابق الواقع، لا سيما أن العلاقة الروسية التركية هي علاقة جبرية بسبب السيطرة الروسية على مناطق الأسد.

وأضاف أن ما يضبط العلاقة الروسية التركية تطويق الحريق كي لا يدخل الجانبان في اشتباك، لكن لا بد من التنويه إلى وجود نقاط خلافية تحتاج ضبطًا، وهذا ما يفسر التصريحات المتناقضة التي سبقت القمة من قبل وزير الخارجية الروسي لافروف.

إذًا نحن أمام وجود علاقة تقوم على تفاهمات، مثل تسيير دوريات في الشمال السوري التي تم رفضها من قبل فصائل متشددة، وربما تم الحديث عن موضوع الدوريات في القمة الأخيرة، فأردوغان قال: إنهما تحدثا عن حل سياسي في إدلب، وقد يكون هو فتح الطريق الدولي الذي يعدُّ الشريان الثاني في سورية.

 

وأشار فرحات إلى أن “هناك حديث يدور في العديد من الأروقة حول إمكانية مقايضة جبل الزاوية بمناطق أخرى مثل (عين عيسى)، لكنني أعتقد أن الجانب التركي لو استطاع إيجاد حل سياسي يحفظ جبل الزاوية وكل سورية دون بشار الأسد لما تدخل قط، إلا أن وجود فصائل إرهابية دفع تركيا إلى الدخول حفاظًا على أمنها القومي.

وتركيا دولة كغيرها تبحث عن مصالحها، ولن تستطيع الوقوف في وجه العالم حفاظًا على مصالح الشعب السوري”.

كما نوه إلى أن الملف السوري معقَّد وفيه الكثير من النقاط الخلافية، حتى أن الخلافات الروسية التركية في ملفات أخرى تنعكس أحيانًا على الساحة السورية، وكلنا رأينا القصف الروسي الذي استهدف نقاط المراقبة التركية في إدلب بهدف الضغط.

وبالتالي إذا أردنا إيجاز الموضوع، فإن هناك نقاط اتفاق تتمثل بضبط خطوط الاشتباك، وإيجاد حل لموضوع الفصائل الجهادية التي ترفض الحلول السياسية وقضية شرق الفرات، أما النقاط الخلافية فعلى رأسها بشار الأسد.

وختم بأن التصريحات التي أطلقها الجانبان حول فاعلية اللقاء ما هي إلا واجهة دبلوماسية تخفي تحتها الكثير من الخلافات.

اللقاء كان مثمرًا لكن ليس لمصلحة السوريين

من جهته رأى الناشط السياسي (عبد الكريم العمر) أن تصريحات أردوغان وبوتين عقب الاتفاق غير جديدة، فقد تكررت في معظم الاتفاقيات السابقة.

وأكد العمر أن أهالي الشمال السوري لا ينتظرون تصريحات، إنما يريدون قرارًا فعليًا يوقف إطلاق النار لحماية المدنيين، لكنه بعيد مع التعنت الروسي واستمرار القصف على ريف إدلب.

من الواضح، بحسب العمر، أنه لا جديد في هذه القمة، وقد لا نرى تهدئة فعلية في إدلب خلال الأيام المقبلة.

ورأى العمر أن عدم إصدار بيان ختامي يعود لانتظار كل من الطرفين تنفيذ البنود التي تم التوافق عليها سابقًا، وعدم الدخول في مهاترات الصحافة كي لا يتشعب الأمر ويتعقد أكثر.

وأشار إلى أن العلاقة الروسية التركية أكبر من إدلب بسبب حجم التبادل التجاري والصفقات التي تجمع الطرفين، فضلًا عن العلاقة التي تجمع أردوغان وبوتين.

ونوه إلى أن التصعيد العسكري الذي شهدته إدلب عقب الاتفاق يوضح أن اللقاء بين الزعيمين كان مثمرًا لكن ليس لمصلحة السوريين على الإطلاق.

وختم بأن كل طرف يريد من الآخر تطبيق ما تم الاتفاق عليه، فتركيا تريد حماية حدودها ومصالحها في شرق الفرات إلى جانب تحقيق غاياتها في إدلب، أما روسيا فتحاول الوصول إلى طريق M4 ودائمًا تهدد بذلك، كما أن تصريحات كل من السفير الروسي لدى دمشق ووزير الخارجية الروسية لافروف تكشف تمامًا عن طبيعة السياسة الروسية التي تقوم على الغدر والكذب، لذلك فالأتراك يحتاجون موقفًا داعمًا في تحقيق ما يريدونه.

فكرة الهجوم على إدلب قد تكون بعيدة

أما الصحفي (محمد الهادي) فقد رأى أن القمة الأخيرة كانت ضبابية، إلا أن السوريين اعتادوا على معرفة بنود أي اتفاق من أرض الواقع وليس من الكلام السياسي المنمق.

وأضاف: “تأكيد الطرفين أن اللقاء كان مثمرًا لا يعني أن إدلب ستكون هادئة على الرغم من وجود بعد التطمينات التي ليست حتمية، فالطائرات الحربية الروسية ماتزال تنفذ غاراتها حتى الآن.”

وأكد الهادي أن هدف روسيا تعويم النظام من خلال السيطرة على الأراضي السورية وإعادته إلى الأروقة السياسية.

وأشار إلى أن الطرفين ربما توصلا إلى نقاط مشتركة في ملفات أخرى لا ترتبط بإدلب كملف أذربيجان، وأعتقد أنه تم التطرق إلى الحديث عن مستقبل مناطق قسد، لا سيما مع وجود إمكانية للانسحاب الأمريكي.

ونوه الهادي إلى أن فكرة الهجوم على إدلب قد تكون بعيدة بسبب الانتشار التركي الكبير الذي لم يعد كما كان سابقًا عبر قواعد عسكرية، بل نرى أن الجيش التركي يشكل خط جبهة رسمي على جبهات القتال سواء في ريف حلب الغربي أو ريف إدلب، لذلك فإن إقدام روسيا على عملية عسكرية في إدلب دون الاتفاق مع تركيا قد يؤدي إلى اصطدام تكون له نتائج كبيرة.

 

أربعة ملايين إنسان سيكونون أمام محرقة في حال شن عملية عسكرية

وقال مدير الدفاع المدني (رائد الصالح) لصحيفة حبر: “في حال شن النظام وحليفه الروسي أي عمليات عسكرية، فإن أكثر من أربعة ملايين مدني بينهم مليونا مهجَّر في شمال غربي سوريو سيكونون فعليًا أمام محرقة حقيقية بعد أن باتت المنطقة هي الملاذ الأخير لهم”.

وأضاف: “في الواقع أي توقع لأثار أي حملة عسكرية على شمال غربي سورية سيكون الواقع أكثر سوداوية منه، فعشر سنوات من القصف والنزوح أنهك المدنيين والبنية التحتية ووجدت مدن من القماش هي مأوى لأكثر من مليون ونصف مليون مدني، وقد يتحول هؤلاء وباقي السكان لمهجرين، لاسيما أننا على أبواب فصل الشتاء، وسنشهد كارثة إنسانية وموجة نزوح هي الأكبر منذ عام 2011 وحتى الآن، في وقت يفتك فيروس كورونا بهؤلاء المدنيين”.

ونوه إلى أن نظام الأسد وحليفه الروسي وخلال حملاتهم العسكرية السابقة كانت المشافي والمدارس والأفران والأسواق والمرافق الحيوية والمخيمات وفرق الدفاع المدني السوري والعمال الإنسانيين هي أهداف ممنهجة ومتعمدة لهم، ولم يتوقفوا يومًا عن استهدفها، فمنذ يومين استهدف قصف صاروخي مدنيين مهجرين يعيشون في مخيم عشوائي يفتقد لأدنى مقومات الحياة قرب قرية باتنتة بريف إدلب الشمالي، أدى إلى مقتل امرأة وإصابة أخرى وطفلة، وفي 8 أيلول استهدف قوات النظام وروسيا بقذائف مدفعية موجهة بالليزر نقطة مرعيان الطبية بجبل الزاوية، ما أدى إلى خروجها عن الخدمة.

وأشار إلى أن دول العالم تفكر في طريقة لحماية كوادرها الطبية وتحسن مستوى مرافقها، بينما نظام الأسد جعل من أجساد الأطباء والمسعفين ومن المشافي التي تنقذ الأرواح الهدف الأهم له، وهذا الأمر كان لها الدور الأكبر في إضعاف القطاع الطبي.

وفيما يتعلق بمسألة صمود القطاع الطبي، فهو منهك جراء سنوات من الاستهداف الممنهج للمرافق الطبية (مشافي، ومعامل أدوية، ومراكز طبية) ووثقت فرقنا تدمير قوات النظام وروسيا أكثر من 60 مرفق طبي خلال عام 2019، بينما استهدفت منذ مطلع هذا العام مشفيين اثنين ونقطة طبية، فالقطاع الطبي منهك بشكل كبير، وفيروس كورونا يستهلك جزءًا كبيرًا من إمكاناته.

 

وختم بالتشديد على أن ما يجب أن نقوم به اليوم ليس التفكير بالآثار الكارثية لأي هجوم عسكري لقوات النظام وروسيا على شمال غربي سورية؛ لأنهم مستمرون بعمليات القصف البري والجوي بشكل يومي، ووثقت فرقنا مقتل أكثر من 125 مدنيًا خلال الأشهر الأربعة الماضية، وما يجب أن نفكر فيه الدور المفقود للأمم المتحدة والمجتمع الدولي لوقف هذه الهجمات القاتلة وحماية المدنيين، الأولوية الأهم هي وقف الهجمات وإعادة المهجرين لمنازلهم والضغط لحل سياسي ينهي المأساة الإنسانية.

 

الجدير بالذكر أن المتحدث باسم الرئاسة التركية (إبراهيم قالن) صرح اليوم السبت بأن بلاده لا تنتظر أن يرسل الغرب قوات إلى المنطقة من أجل حماية المعارضة في إدلب السورية.

مبينًا أنه كما تم الاعتراف بحق روسيا والولايات المتحدة في الدخول إلى سورية، فإن تركيا أيضًا تملك الحق نفسه.

أردوغانإدلبالعقيد مصطفى فرحاتتركياروسياسورياعبد الكريم العمرعبد الملك قرة محمدمحمد الهادي