في ظل قلة فرص العمل في الشمال السوري، وارتفاع مستوى المعيشة وقلة الدّخل، وتعميق جراح الأهالي نتيجة النزوح، تنشط العديد من منظمات المجتمع المدني للعمل على سد ما تستطيعه من تلبية احتياجات الأهالي، ومنها منظمة “أمل للإغاثة والتنمية” التي أقامت عدة مشاريع خدمية وإنتاجية، كان من أبرزها مشروع (دعم الثروة الحيوانية وسلسلة القيمة الغذائية)، الذي بدأته منذ شهر ونصف؛ بهدف دعم الأسر ذات الدخل المحدود في ريف إدلب، وخاصة بعد تقلّص أعداد مربي المواشي بعد نزوحهم إلى المناطق الحدودية التي تعدُّ شبه آمنة.
تضمن المشروع دعم أكثر من 500 عائلة نازحة تعمل في تربية المواشي (الأبقار والأغنام)، وذلك من خلال العمل على إمدادهم بمادة الأعلاف المُركَّبة، وتقديم الرعاية الصحية واللقاحات الضرورية، وكذلك اختيار نسوة ممَّن لا يملكنَ أي معيل، كنساء الشهداء والأرامل؛ للعمل في مشروع إنتاجي يشمل تصنيع الألبان ومشتقاتها ممَّن يتم جمعها من المستفيدين كما أخبرنا به منسق المشروع (خالد شالات).
الطبيب البيطري (محمد الأسعد) أحد المشرفين على المشروع يخبرنا عن التفاصيل بقوله: “غطى المشروع عددًا جيدًا من الأسر النازحة والعاملة في تربية المواشي من (أبقار وأغنام)، والتي يقطن معظمهما في مناطق متفرقة أو مخيمات عشوائية بالريف الغربي لمدينة إدلب.”
وتابع(الأسعد) قائلاً: “بداية قمنا بإجراء مراقبة على معامل ومخازن الأعلاف المراد توزيعها على المستفيدين، بهدف ضمان جودتها ونوعيتها ومراقبة عملية خلط المواد الأساسية لإنتاج الأعلاف، ونظمنا عدّة حملات لقاحية لتلقيح المواشي ضمن معايير معينة لإعطاء الحيوانات اللقاحات المناسبة، بالإضافة إلى جولات الرعاية الصحية وفحص المواشي المريضة وتقديم التشخيص اللازم لها.”
وأشار الطبيب المشرف على المشروع إلى أنهم في خطوة لاحقة تعاونوا مع (٣٧) امرأة، وأجريت لهنَّ تدريبات نظرية وعملية بهدف تأهيلهنَّ لتصنيع مشتقات الحليب، الذي يتم استجراره من المستفيدين بشكل يومي لمراكز تصنيع الأجبان والألبان في بلدتي (كللي، وحزانو)، ومن ثم تسويق هذه المنتجات بأسعار مقبولة وبأقل من السوق المحلية، حيث لاقت المنتجات إقبالاً واسعًا في السوق المحلية وبين المستهلكين.
تقول (أم محمود) إحدى العاملات في المشروع، وهي نازحة ومعيلة لسبعة أطفال: “كنت واحدة من النساء اللواتي تم دراسة وضعهنَّ الاجتماعي وقبولهنَّ للعمل في تصنيع المواد التي تستخرج من الحليب، وبالنسبة إلى المشروع فهو بمنزلة دعم لنا ولأسرنا، تعلمنا أمورًا عديدة ومفيدة، كالدقة والنظام في إنتاج مشتقات اللبن، واكتسبنا خبرة واسعة في تحضير (الجبن، والقريشة، والدوبيركة)، وإعداد (اللبن) بعد وصول الحليب لدرجة حرارة معينة، وغيرها من المشتقات الكثيرة، حيث أصبح هذا العمل جزءًا مهمًا في حياتي كونه مصدر دخل جيد لعائلتي، وأصبحت قادرة على الاعتماد على نفسي في إدارة مشروع صغير مستقبلاً إذا توفر لدي رأس المال.”
الجدير ذكره أنه تم افتتاح معرض للأجبان والألبان منتصف الشهر الفائت في مركز بلدة (كللي) الواقعة غرب مدينة إدلب؛ بهدف الترويج للمنتجات المحلية المصنعة في المركز، وقد حضر المعرض شريحة واسعة من الأهالي والمستفيدين ومديرِي الجمعيات والإعلاميين، وتم عرض أصناف متنوعة من الحلويات المصنعة بالمنتجات المحلية، وكذلك أنواع متعددة للجبنة واللبنة التي تم صنعها بأيدي النساء العاملات هناك.
هذ وقد أرجع بعض المستهلكين نجاح مثل هذه المشاريع لمهارة النسوة العاملات ودقتهنَّ في العمل، كون المنتجات محلية ويدوية وذات جودة عالية وتضاهي المنتجات السوقية بلذة مذاقها وبسعرها المغري وتوفرها بشكل يومي.
ويأمل المستفيدون من مشروع “دعم الثروة الحيوانية وسلسة القيمة الغذائية” الذين التقيناهم من مربي المواشي (أبقار، وأغنام)، وكذلك النسوة العاملات في مراكز تصنيع الألبان والأجبان في الاستمرار بمثل هذه المشاريع، كونها إنتاجية يستفيد منها المئات من الأيادي العاملة، وخاصة في هذه الظروف المعيشية الصعبة التي يواجهها الأهالي في المحرر، وقلة فرصهم في الحصول على عمل.