العلم والتعليم جزآن لا يتجزأان من أي حضارة قوية، فهما عمود بناء الحضارة والتقدم في كل الأزمنة، والسبيل الوحيد للقضاء على الجهل والتخلف والفقر.
وبالنظر إلى التعليم في مدينة إدلب، فقد تراجع قطاع التعليم العام إلى أن أصبح في الحضيض، وللوقوف عند الأسباب التقينا الأستاذ (عبد الرحمن) مدرس مادة الرياضيات، الذي أوضح لنا سبب هذا التراجع بقوله: “السبب الأول هو الغلاء الفاحش الذي لا يتناسب مع دخل المعلم، الذي إن وُجد لن يقطع حاجز 100$ أميركي، لذا توجّه المدرسون إلى التدريس في المدارس والمعاهد الخاصة التي تدرُّ عليهم دخلاً يناسب الأوضاع المعيشية لهم، من نزوح وغلاء في الأسعار وغيرها”.
إن انقطاع الدعم عن المدارس العامة كان له الدور الأكبر في تراجع قطاع التعليم العام وهجرة المعلمين من المدارس العامة إلى المدارس الخاصة.
يقول (عمر) وهو طالب في الثالث الثانوي العلمي ونازح من ريف مدينة معرة النعمان: “عندما أحضر الدرس في المدرسة أشعر بأنني أحضره مقابل كرامتي، خصوصًا عند تذمر المعلمين المستمر، مرفقين تذمرهم هذا بجملة باتت مشهورة: (الطالب الذي لا يعجبه هذا الوضع فليوفر العناء على نفسه ولا يأتي للمدرسة، وليبحث عن مدرسة خاصة يتعلم فيها)، وعندما تجادله يُسكتك بقوله: (أنا أدرسك بشكل تطوعي)، وللمعلومة فإن الإدارة لم تسمح لنا بالدوام إلى بعد أن دفعنا رسوم (الاقتصاد والتعاون والنشاط) الذي يراوح ما بين 15 إلى 30 ليرة تركية”.
قرداحي يكشف شرط تقديم استقالته وإنهاء أزمة لبنان مع الخليج العربي
إن هذه المبالغ قد لا تتوافر لدى معظم العوائل الفقيرة التي تقطن إدلب ومخيماتها وريفها، التي يعيش مايقارب 80% منها تحت خط الفقر، بينما ينعم الأغنياء، وهم الثلة القليلة، بحق التعليم الخاص وعلى أكمل وجه في المدارس الخاصة التي جُهزت بأحسن الأجهزة والمعدات والمخابر البحثية، والكوادر المتميزة، التي أصبحت تنتشر بكثرة في الشمال السوري، وهو أمر مشابه لما حصل في لبنان بعد الحروب الأهلية فيها.
بينما يقول الأب (مصطفى) وهو نازح من ريف سراقب: إنه يرغب في تعليم أبنائه، فهو حق من أبسط حقوقهم، لكن أبناءه لم يأخذوا سوى واجبًا بيتيًا واحدًا منذ بداية العام الدراسي الحالي؛ وذلك بسبب تكرر غياب معلميهم عن الدوام.
ويضيف بأنه عندما تحدث مع مدير المدرسة في الأمر أخبره بأنه في مدرسة لا تتلقى أي دعم من أي منظمة أو مؤسسة ممولة للعملية التعليمية، وعليه أن يشكر الله؛ لأن هناك من يعطي أبناءه ولو درسًا واحدًا، ويقول (مصطفى): “حتى إن توفر المعلم فإن معلومات الطلاب أكثر من خبرته، كونه غير مؤهل ليعلِّم ، أو لكونه طالبًا جامعيًا، أو في معهد إعداد المدرسين وغير متخرج وضعيف من حيث الخبرة وأسلوب إيصال المعلومة بالشكل المطلوب”.
أسعار التعليم في المدارس الخاصة:
وأضاف (مصطفى) أنه عندما ضاق ذرعًا بالحال الذي وصل إليه التعليم في المدارس العامة، قرر أن يبحث عن مدرسة خاصة، فوجد الأقساط تراوح في معظم المدارس الخاصة ما بين 100 دولار أمريكي إلى 250 دولارًا للطالب الواحد، و أبناؤه الأربعة جميعًا في مرحلة التعليم الأساسي يحتاجون للتعليم في هذه المرحلة الحساسة، وفي ظل هذه الظروف هناك الآلاف من السوريين في إدلب يواجهون خطر الجهل والحرمان من التعليم الذي هو علاج للتخلف ودواء لداء الأمية.
لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على تلغرام اضغط هنا
إن فقدان التعليم العام المجاني في إدلب وما حولها هو فقدان هذا المجتمع وضياعه وتفككه ما لم تتحرك قوى ومنظمات إنسانية وخيرية تعليمية معنية بالأمر وتعالج أسبابه وتحد منه.