بعد سلسلة التهديدات بين الجانبين الإيراني والصهيوني التي أسفرت عن هجمات متبادلة محدودة وسطحية تم الاستثمار فيها إعلامياً من الطرفين برأسمال عسكري خسائره هي أقرب إلى الصفر حقق فيه الجانبان مكاسب سياسية على الصعيد الداخلي والخارجي دون تغييرات كبيرة في قواعد اللعبة بين الطرفين، تكشفت عقبها عدة زوايا سياسية كانت هي أشبه بالنقطة العمياء بالنسبة لرؤية سائق السيارة، إلا أن مرآة السياسية بعد هذا السيناريو كانت أكثر وضوحاً بالنسبة للمصالح العربية فيما يتعلق بالسياق السياسي والعسكري بين إيران وإسرائيل وفرضت على الصعيد السياسي عربياً ثوابت وقواعد جديدة بعضها كانت محل شك و أخرى كانت مجهولة.
فالمنطقة العربية بالنسبة للبروبجندا الإيرانية هي ترانزيت عبور لقافلة الممانعة باتجاه تحرير القدس ونجحت إيران على مدار العقدين الماضيين بتجنيد الآلاف من العناصر في ميليشيات أغرتها بالقدس إلا أن ما أكدته هجماتها باتجاه الكيان الصهيوني يثبت زيف سياستها وأن إيران تقود قافلة التشييع والنفوذ في المنطقة العربية كهدف وصول إليها وليس عبور.
اقرأ أيضاً: لبنان يدعو فرنسا للتطبيع مع نظام الأسد
بالمقابل فإن إسرائيل التي تدعي الصراع مع إيران تسعى إلى تمزيق الجوار العربي والحفاظ على عدم استقراره سياسياً وأمنياً أو السيطرة عليه وإدارته عبر تحقيق مصالحها من خلال اتفاقيات التطبيع والتفاهمات الاقتصادية والسياسية بدعم غربي علني مباشر وآخر إيراني بشكل غير مباشر يتم هندسته سياسياً بتوافق سياسي إيجابي عبر تقاسم الخارطة العربية بين دول مُطبعة مع إسرائيل وأخرى مُسيطر عليها إيرانياً.
الثابت اليوم للدول العربية هو أن المنطقة ليست ساحة نزاع بقدر ما هي للجانبين الصهيوني والإيراني مناطق نفوذ وسيطرة سياسية واقتصادية وعسكرية لخدمة مصالحهما الاستراتيجية من خلال أدوات (التطبيع وتشكيل الميليشيات).
من جانب آخر يعتبر القبول الأمريكي السماح لطهران بضرب الكيان الصهيوني سابقة في السياسة الأمريكية في المنطقة على رغم من إحاطتها بسيناريو الهجوم وتصديها لمعظم المسيرات والصواريخ الايرانية قبل وصولها، إلا أن ذلك ينبئ عن رضى أمريكي وغربي لدور إيراني أكبر في المنطقة على حساب الدول العربية ويطرح تساؤلاً فيما لو أرادت طهران الهجوم على إحدى دول المنطقة فهل ستدافع واشنطن عنها أمام إيران التي سمحت لها بتجاوز الخطوط الحمر مع حليفتها إسرائيل بل ولم تشارك الكيان حتى في الرد عليها؟
لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على واتساب اضغط هنا
من جهة أخرى كشفت الهجمات الإيرانية على إسرائيل رداءة الأسلحة التي تصنعها وتهدد بها دول المنطقة وتحديداً دول الخليج وسواء أكان ذلك مقصوداً أم غير مقصود فإنه يدل على تفوق عسكري استراتيجي لدول مثل السعودية والإمارات ومصر على آلة الحرب الإيرانية، ويمكن أن يحقق في أي وقت عامل ردع بمعزل عن الحماية الغربية، وهو ما يعزز عبارة أنها نمر من ورق وأنها لا تزال تخشى خوض حرب كلاسيكية على جبهات مفتوحة.
إن زاوية الرؤيا السياسية العربية للمشهد بين إسرائيل وإيران تخرجهما من صورة الصراع والنزاع إلى الخلاف والتنافس على قاعدة عدم السماح لدول المنطقة التدخل والتفكير فيما يخص شؤونها ومصالحها عبر وضعها في سياق اللعبة التي يتبنها الطرفان على اعتبار أن التنافس والخلاف على الفريسة لا يمنع التشارك على صيدها في قانون الغاب الذي يسود العالم.