بعيدًا عن شرعية الكفاح المسلح للأفغانيين في محاربتهم للاحتلال الأجنبي بالطريقة والأسلوب الذي يرونه مناسبًا، ووضوح حجم الإهانة التي حملها الجنود الأمريكيون في انسحابهم من هذا البلد، باتت سياسة الولايات المتحدة أكثر وضوحًا على الساحة الدولية بعد أن هادنت حركة طالبان التي كانت تصنفها على لوائحها السوداء مع العديد من الدول الأخرى.
وغدا على حلفائها في المنطقة طرح هذا السؤال على أنفسهم وعليها من جهة أخرى: هل الولايات المتحدة جادة في مواجهة إيران تحسبًا من تغيير سياستها تجاه ألد أعدائها في المنطقة؟
المؤشرات تبدو حتى اليوم أن ما يجري أمريكيًا هو انسحاب من منطقة الشرق الأوسط ولا سيما أن سيناريو أفغانستان قد كررته واشنطن بالعراق وأشركت إيران في إدارتها للعراق إلى أن تفردت به اليوم بشكل شبه كلي، وهو ما واكب تسريبات للصحف الأمريكي بالأمس عن قرب إعلان انسحاب جزئي من العراق.
ولا تزال الولايات المتحدة مستمرة في تقليص عدد جنودها في دول الخليج وشرق سورية وبعيدة بشكل أو بآخر عمَّا يحدث في لبنان واليمن والتعامل مع هذه الملفات، بل إنها سمحت عن قصد، كون عدم القصد في السياسة غير وارد، بتغلغل إيران في عواصم عربية ولا تزال تدعم بخجل جيوش حلفائها في حرب اليمن ومواجهة طهران في سورية والعراق.
اقرأ أيضاً: رسالة روسية لبشار الأسد بعد خطاب القسم المنفصل عن الواقع
إن التراشق الإعلامي والدبلوماسي وتعزيز بروباغندا الصراع بين طهران وواشنطن يصب في مصلحة الطرفين، وفيما يخص الجانب الأمريكي فإنه كما عقدت بالنهاية اتفاقًا مع طالبان فإنه ليس مستبعدًا أن توسع اتفاقها النووي مع طهران ليشمل خطوطًا عريضة تستلم فيه طهران إدارة ملفات المنطقة، لاسيما أن كل ما يهم الأمريكيين هو وجود جهة قوية تنفذ سياساتهم وتحترم مصالحهم.
فواشنطن اليوم لا تريد التركيز سوى على الصين ومجالها الحيوي المتمثل في بحر الصين الجنوبي، كما أنها تريد الخروج من انقسامات ومشكلات الشرق الأوسط لخلق تنافس بين القوى الصاعدة في المنطقة تكون هي بمنأى عنه في الوقت الحالي.
لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على تلغرام اضغط هنا
لقد غدت السياسة الأمريكية في المنطقة مخيفة لحلفائها في قدرتها على الانسحاب وخلق الذرائع وترك حلفائها لمصيرهم، لذلك لم يعد في السياسة الأمريكية خطوط حمراء، بل اتجهت إسرائيل التي تربطها بواشنطن علاقات وطيدة نحو الانفتاح على محيطها الذي يلفظها، وأسهمت الولايات المتحدة في دعم هذه السياسة بالتوازي مع دعهما بالسلاح لإدراك الإسرائيليين أن أولويات الأمريكيين تتغير وفق حساباتهم التي من الممكن أن يخرجوها منها يومًا ما لمرتبة أقل أهمية من اليوم.
وأخيرًا لابد من التأكيد أن القوة هي فلسفة الأمريكيين، ومنطلق تعاملهم مع الدول الأخرى وهي ما يحبون أن يُعاملوا بها؛ لأن ذلك يعني اكتمال مصلحتهم في هذا الآخر، وهم ليسوا شرطي المنطقة أو العالم كما يتم تصويرهم أو كما يقدِّمون أنفسهم، بل هم شركاء المنتصر وحلفاء مصالحهم بالدرجة الأولى، وما تبقى لا يغدو كونه تفاصيل.