• أرجأتُ الحديثَ عن زيارةِ مجموعةٍ من السادةِ العلماءِ إلى مقرِّ إقامةِ رئيسِ المكتب السياسيّ لحركة حمـاس (إسماعيل هنيّة) في إسطنبول التركية قبل أشهر من الآن [تموز 2022مـ] و ذلك لأسبابٍ أهمُّها:
1- التروي و التحلّي بالصبرِ حتى يصدرَ بيانٌ رسميٌّ واضح من قيادة “حركة حماس” لنرى مدى مكانةِ علماءِ الأمّةِ المسلمين لدى قادةِ “حماس” الحاليين؛ سيما و أنّ العلماءَ يمثِّلون مرجعيةَ أهلِ السنّةِ و الجماعةِ ومن مختلفِ الأمصار الإسلاميّة والاتحادات العُلمائيّةِ وفي مقدمتها (الاتحاد العالميّ لعلماء المسلمين – هيئة علماء اليمن – المجلس الإسلاميّ السوريّ – رابطةُ علماء المسلمين – مجلس البحوث بدار الإفتاء الليبيّة) وقد اجتمعوا على موقفٍ جامعٍ محدّد برؤيةٍ واضحةٍ من سياسةِ “حماس” و نهجها الحاليّ المنحرفِ عن إجماعِ الأمّة التي من المفترضِ أنْ يُوجِّهَ دَفَّتَها السادةُ العلماءُ؛ مرجعيةُ الأمّةِ و قدوتُها.
2- معرفـةُ المرجعيّةِ الحاليةِ “الفعليّة” لـ قادة حماس هل هي جمهور علماء الأمّة أهلِ السنّة و الجماعة أمِ المرجعيّة الرافضية الباطنيّة ممثّلةً بولاية الفقيه “الاثني عشريّة”؟!
• لقد تريثتُ في الكتابةِ في هذا الموضوع حتى يصدرَ موقفٌ واضحٌ من قادة “حركة حماس” يُجلِّي الأمورَ بلسانِهـم هم – كما طلبَ ذلك العلماءُ المسلمون في بيانهم الصادر بتاريخ [10 -7- 2022مـ] بعد لقائهم بـ هنية ومطالبتِهم بتحديدِ موقفِ “حماس” من نظام أسد والتطبيع معه؛ مع يقيني الكامل بالموقف والردّ مسبقاً فهذا اللقاء لن يغيّرَ شيئاً في جوهرِ موقفِهـم و اصطفافاتِهم السياسيّة؛ فالحركة قد خطَتْ – قبلَ أعوامٍ من الآن – طريقَها المنحرفَ عن مصالحِ الأمّة وفكرِهـا وقِيمَهـا ؛ وقبلَ ذلك كلّه المنحرفَ عَقَديّاً عن عقيدةِ أهل السُّنّة و الجماعة المتقارب مع إيران الرافضية المتّخذةِ -أي إيران- للتقيّـة نهجاً إستراتيجياً لسياساتها !!
علماً أنّ وكالة “رويترز” للأنباء نقلت خلال شهر [حزيران 2022مـ] – أي قبل شهرٍ من زيارة العلماء لـ هنية- عن مصدَرَين اثنين من داخل حركة “حماس” أنّ الحركةَ قررتْ إعادةَ العلاقاتِ مع النظام السوريّ -حسب وصفهم- ، مضيفةً أنّ الجانبَين عقَدَا عدّةَ اجتماعاتٍ “رفيعةِ المستوى” لتحقيق ذلك قبل شهرين من تاريخ إعلان الخبر، مؤكدةً في ختام الخبر أنّ القرارَ قد اتُّخِذَ بالإجماع داخلَ الحركة!! مما يعني أنّ موقفَ حماس قد تمّ اتّخاذُه و بدأتِ اجتماعاتُ التسويةِ السياسيّةِ و الأمنيّة بينها و بين نظام أسد وانقضى الأمـرُ حتى جاء البيانُ الصريحُ بموقفهـم من نظام أسد وقد أعلنوا فيه تطبيعَهم الكاملَ مع هذا النظام المجرم و عصابته بتاريخ [15 أيلول 2022مـ]، لِتُتوّجَ الجهودُ بتصريحِ مصدرٍ مسؤولٍ داخلَ الحركة قبل أيام عن الترتيب لزيارة لـ دمشق حسب إعلان وكالة “رويترز” حيثُ أكّدتْ أنّ وفداً من حركة “حماس” سيزورُ دمشقَ خلالَ هذا الشهر لإعادةِ تطبيعِ العلاقات مع نظام أسد.
▪️زيـارةُ العلمـاء; مناقشةٌ وَ تحليلٌ:
و السؤال الذي يجبُ طرحُه -تأسيساً على ما تقدّمَ-
• هل كانت زيارةُ علمائنـا المسلمين لـ إسماعيل هنيّة في مقرّ إقامته صائبةً؟
أقولُ إنّ زيارةَ علمائنا الأفاضلِ -مع كامل احترامنا لوجهة نظرهم و رؤيتهم- لم تكنْ صائبـةً للاعتباراتِ الوجيهة الآتية:
• الاعتبـار الأول: إنّ علماءَ الأمّة الذين زاروا “هنيّة” يمثِّلون مرجعيةَ الأمَّة سيّما و قد مثّلوا أهمَّ و أكبرَ الاتحادات العُلمائيّة؛ بل لقد كان ضمنَ الوفد مفتٍ عامٌّ يمثِّلُ مقامَ المفتي العام للجمهوريّة العربيّة السوريّة وبالتالي فإنّ العلماءَ هنا في هذا الموقفِ لا يمثّلون أنفسَهم فحسب -طبعاً مع جليل تقديرنا لأشخاصهم و مكانتهم العلميّة و الوَجَاهيّة- بل يمثِّلون الهيئاتِ الرسميةَ التي ينتمون إليها، أي ((أنّهم يمثِّلون مرجعيةَ الأمّةِ وقدوتَها فَهُم في مقامِ قيادةِ الأمّة توجيهاً و موقفاً و إدارةً فلا يستوي من الناحيةِ الإداريّةِ -فضلاً عن مقام المرجعيّة- أنْ يزوروا شخصاً أو جماعةً أو حركةً عليها مآخذ؛ بل الواجبُ إداريّاً و حِفْظاً لمقامِ المرجعيّة أنْ يوجِّهوا دعوةً لحركة حماسِ بزيارةِ ممثِّلين عنها إلى مقرِّ العلمـاءِ لمناقشة وتحديد موقفِهم من قضية كذا و كذا -بغضِ النظر عن عنوان القضية-، أو يخاطبوها -أي حماس- خطاباً واضحاً عبر الإعلام أو عبر وسطاء يطالبونهـا بتحديدِ موقفهـا من أيّ قضية إشكاليّة تنالُ من وحدة الأمّة كالقضية من نظام أسد المجرم -موضوع الزيارة-، لا أنْ يقومَ العلماءُ بمقامِهم ومرجعيَّتِهم الرسميّة بزيارة لجماعة هي في موضع الاتهـام حسبَ منظور سواد الأمّة …))
– ولعلّ معتَرِضاً يقولُ: إنّ العلماءَ -سددهم الله- قدِ انطلقتْ رؤيتُهم من منظور دَعويٍّ صِرْفٍ، فأقول: إنّ الجانب الدعويّ شيءٌ و مقامُ المرجعيّـة أمرٌ آخر تماماً ولكلٍّ ترتيباتُه و آلياتُه وسياقاتُ إنفاذه؛ بل إنّ الجانبَ الدعويّ لا يستوي في مقام تحديد المواقف والقرارات التي تمثِّلُ سيادةَ الأمّة و هيبتَها، فعند ذلك لابدّ من الوضوحِ والجرأة، و الأمثلةُ من تاريخنا القريب كثيرةٌ في هذا الشأن لعلمـاء ضبطوا مسارَ الأمّة بمواقفهـم.
• الاعتبار الثاني: و هو اعتبارٌ وجيهٌ إذْ تأخَّرَ العلماءُ -سددهم الله- في جسِّ الموضوعِ بجرأةٍ جاعلين عنوانَ الزيارة (الموقف من نظام أسد) أصلاً للزيارة -كما أعلنوا- بينما هو في الحقيقةِ فرعٌ لا يرقى لمقام الاهتمام المعتبَر، فقدَّموا الفرعَ و تناسَوا الأصل !!
– فجوهرُ القضية التي يجبُ الوقوفُ عندها و تناولُها بجرأةٍ ووضوح -منذُ أعوام و ليس الآن- هي قضيةُ علاقةِ “حماس” مع إيران الفارسيّة الذي تمثلُ أساسَ الانحراف ورأس الخبث في اختراقِ الأمّة؛ فما نظامُ أسد وعصابتُه و غيره من العصابات التي ترعاها إيـران نافثةً سوادَ خَبَثِها في المنطقة عبرَها كحزب إيران اللبناني و عصابة حوثيّ اليمن و حركة الجهاد -الإسلامي- في فلسطين و عصابات الحشد الفارسيّ في العراق و مليشيات باكستانية و أفغانية و غيرها ليستْ إلّا أدواتٍ بيد ولايةِ الفقيه الحاقدة لهدمِ عقيدةِ الأمّة و حرفِها عن النهضة الحضاريّة و المرجعيّة الدينيّة لأهل السنّة وصولاً لاستكمال مشروعِهمُ التوسُّعيّ المتمثِّل في الإمبراطوريّة الفارسيّة الكِسرَويّة” بعد تفكيك النسيجِ السُّنّي في العالم العربيّ متّخذين من شعاراتِ المقاومةِ وتحرير فلسطين -التي أضحتْ مكشوفةً ممجوجةً- مطيةً لمشروعِهم التوسُّعيّ المنطلِق من أحقادٍ باطنيّة ..
– وهنا لا يفوتني التذكير بكل احترام و تقدير بالمواقف الجريئة من قِبَلِ عددٍ من علماء أمَّتنا ممّن نبَّهوا بكل جرأة إلى خطرِ التوسُّع الإيرانيّ وعقيدتهم الرافضيّة -قديماً و حديثاً- أمثال (العلّامة الدكتور وهبة الزُّحيليّ 1932 – 2015مـ) وَ (المؤرّخ الدكتور شوقي أبو خليل 1941 – 2010مـ) وَ (العلّامة الدكتور يوسف القرضاويّ 1926 – 2022مـ) ، وَآخرهـا موقفُ (شيخ قرّاء بلاد الشام العالِم المقرِئ محمد كريّم راجح -حفظه الله-) الذي مثّلَ موقفُه الأكثرُ جرأةً موقفَ العالِم الذي يضعُ النقاط على حروفِ الواقع فأصدرَ بيانَين اثنين استهجنَ فيهما ارتماءَ “حماس” في أحضانِ إيرانَ الرافضية، ثمّ ترحُّمها على المجرم الحاقد “قاسم سليمانيّ” الذي قُتلَ في [كانون الثاني 2020مـ] و إطلاق اسمه على مناطق في قطّاعِ غزّة بعد نعته زوراً بـ “شهيد القدس”!!.
حيثُ وجّهَ في بيانه الصادر في[ يناير 2021 مـ] خطابَه لـ قادة حماس الحاليين مؤكداً (( أنّ الحقَّ لا يتجزّأ و الرجالُ تُعرَفُ بالمواقف ، و بكل أسفٍ سقطَ من عيوننا مَن كُنّا نحسبُهم رجالاً . تُرى أيّ سِقطٍ -و السِّقطُ كثيرٌ- مَنْ فكّرَ و أمرَ و نفّذَ هذا الأمرَ الشنيعَ و رفعَ صورةَ المجرم و القاتل في شوارع غزَّة العزّة و يسمونـه بـ “شهيد القدس”؟!!
و إنّ التاريخ سيكتبُ خيانتَكم لإخوانكم المسلمين الذين قُتلوا و هُجّروا و عُذّبوا على يد المجوس الروافض ، كما سيكتبُ خيانتَكم لإخوانكم الفلسطنيين في سورية الذين أقلّ ما نقولُ فيهم بأنّهم يُعذّبون في سجون الطاغية الذي هو نعلٌ في قَدَمِ الرافضة!!))
و يتابعُ -حفظه الله- (( لئن تغاضينا عن تصريحاتِكم السياسيةِ و أعطيناكم بعضَ العذر -مع أنّه لا عذرَ لكم أبداً- و لكنْ أنْ يصلَ بكم سوءُ التقديرِ إلى هذا الحدّ فهذا ممّا لا يُسكتُ عنه أبداً )) أ.هـ
• الاعتبار الثالث: الواقعُ الذي نعيشه يشهدُ ثورةً رقميّةً مخيفةً في ظلِّ سيطرة العالَم الرقميّ و انتشار المنصات الافتراضية وعالَم السوشيال ميديا مترافقاً مع حربٍ معلنةٍ على الفطرة والقِيم والأخلاق والإسلام الحضاريّ ودُعاتِـه ومفكِّريه عموماً حتى المتعاطفين معه من المشارب الأخرى لذلك فإنّ السادةَ العلماء -سددهم الله- سيكونون تحتَ دائرة الرَّصد و المتابعة لكل كلمة وسلوك وتصرُّف وتصريح وموقف … تسجَّلُ عليهم وهناك من يتصيَّدُ الكلماتِ والمواقفَ ليصنعَ منها مادةً يسوّقُها في هذا الفضاء الافتراضي طاعناً أو معرِّضاً لِيُدخلَ الشكَّ و الاضطرابَ في قلوبِ عامة المسلمين .. لذلك من الأخذ بالأسباب أنْ تكونَ المواقفُ و التصريحاتُ و الصورُ الملتقطة والڤيديوهات مدروسةً حِفظاً لهيبة الأمّة ومقامَ مرجعيتِها؛ بل من الضرورةِ بمكان أنْ يستعينَ العلمـاءُ بمستشارين دائمين مؤتمنين وفي الميادين كافةً سياسةً وإعلاماً واقتصاداً وبحثاً وأخباراً وأمناً ومعلوماتٍ استخباراتيةً بحيثُ يظهرُ العلمـاءُ بموقفِ المُلمِّ بأغلبِ تداعياتِ الواقعِ و تقلباتِ العالَم، و الأهمُّ من ذلك أنْ يكونوا قريبين من عامّة المجتمع المسلم فلا تكونُ تصريحاتُهم ومواقفُهم مثاراً لخلخلة المجتمعِ المسلم وتفرُّق رأيهم نتيجةَ مواقف أو تصريحات غير مضبوطة تحملُ رسائلَ بعيدة عن وجدان الأمة و طموحاتِها، و أمانة هذا الدين {لَتُبينُنَّه للنّـاس}؛ فالأُمّـة أشـدُّ ما تكون حاجـةً -سيما هذه الأيـام وظروفهـا المضطربة- إلى الفكرِ الجَمْعِيّ الذي يجمعُ و يؤلِّفُ، و ينبذُ ما يفرِّقُ و يشتِّتُ، بل إنّ العلماءَ مطالبـون بالوقوف بوجه كلِّ مَنْ يطرحُ طروحاتِ التفريقِ و التمزيقِ لشملِ الأمّـة و إزهاقِ مودتِها و إضعافِ حضورِها و النيلِ من هيبتها …
▪️ثـوابت الختـام :
• الثابت الأوّل: عندما ننتقدُ “حماس” فإنّنا ننتقدُ مواقفَ تيارِها السياسيّ “الحاليّ” الذي ارتضى لنفسِه أنْ ينحرفَ عن النهجِ الإستراتيجي الذي خطّه المؤسّسون بفكرِهم وعملِهم وصبرِهم وجراحِهم وثباتِهم حتى ارتقَوا واقفين دون أنْ يُبدّلوا بدءاً من الشيخ المؤسِّس القائد المربّي (أحمد ياسين) و المؤسّس المفكّر الذي أعطى لـ حماس -و لمشروع المقاومة- بعدَها التنظيميّ الإداريّ و الرِّساليّ الفكريّ (الدكتور عبد العزيز الرنتيسيّ) وَ القائد العالِم مهندس قوة الردع الصاروخيّ (المهندس نزار ريّان) وَالبروفيسور (جمال الزبدة) وَالقائد (جمعة عبد الله الطحلة) ورجل العزائم القائد (وليد شماليّ) وَالقائد (أحمد الجعبري) والقائد الفذ مبرمج جهاز الاستخبارات (سعيد صيام) و غيرهم من القادة الشهداء بإذن الله -رحمهم اللهُ- ، كما أنّنا لا نُعمّمُ في طرحنا فالتعميمُ مَهلكةٌ وفسادٌ للرأي ومجانبةٌ للإنصافِ؛ فنحن على يقينٍ أنّ داخلَ حماس رجالاً لا يروقُهم التوجُّه السياسيّ الحاليّ لـ هنية و فريقه، بل إنّ فلسطينَ تعبقُ بالرجال والقادة و المفكّرين والأمهات المربيات صانعات الرجال نتعلمُ منهم جميعاً و نقتفي آثارَهـم و نستلهمُ من تجاربِهم و نثمِّنُ مواقفَهم فالهمُّ الفلسطيني والسوري من منظور مشروع الأمّة العام هو واحد كما بيّنَ ذلك قبل أيام الأستاذ المفكّر و السياسيّ الجريء (كمال الخطيب) في مقابلة له في معرض إسطنبول للكتاب العربيّ -معرض 2022- ، فكلُّ التحية و التقدير لأهلنا في فلسطين و لكل حرٍّ و حرّة يرابطون على أرضِ أقصانا وفي مقدمتِهم شيخ الأقصى الأستاذ السياسيّ المفكّر (رائد صلاح).
• الثابت الثاني: من البساطة و السذاجة أنْ نعتقدَ أنّ الموقفَ الذي أعدَّه و برمجه “هنيّة” مع حفيدتِه جاءَ عفواً دونَ ترتيب؛ بل كان مرتباً حيثُ تلقت حفيدتُه العلماءَ وهم خارجون من الاجتماع المطوِّل مع جدّها “هنية” و بدأت تتجاذب معه عبارات التودُّد وهي تتغنجُ له وتقبِّله في صورة ممجوجة اجتماعياً إذْ تجاوزت حدود المروءة و هي تتغنجُ لجدِّها وتتغزل به أمام مجموعة من كبار علماء الأمّة في موقف يجب ألّا يتجاوزَ حدودَ أستار العائلة لا أنْ يخرجَ بهذه الطريقة!!
ثمّ أينَ العفويةُ و المصوِّر مستعدٌّ لتصوير الموقف كاملاً و نحنُ نرى عباراتِ الإحراجِ و التملُّلِ مرسومةً على قسماتِ وجوه علمائنا -سددهم الله و حفظهم- وقد علاها الحياءُ و الكلُّ مطرقٌ نظرَه إلى الأرض .. ثمّ هل من الأدب و الذوق و لباقة السلوك الاجتماعيّ أنْ يُوضعَ علماءُ الأمّة في موقفٍ يجعلُهم واقفين على أقدامهم مدةً من الوقت -و هم على شيبتهم و سنّهم- ليستمعوا لفتاة بعمرِ أحفادهم و هي تتغزَّلُ بجدِّها!! أهذه قِيمُ مجتمعنا و سلوك إسلامنا المطيّب براقيات الأدب!
– لقد أرادَ “هنيةُ” بمكر أنْ يسوِّقَ نفسَه وقيادتَه الحاليّةَ من خلال هذا الموقف وكأنه يقول للعالَم الإسلاميّ الذي فقدَ الثقةَ بقيادة “حماس” الحالية و مكتبِها السياسيّ أنّ جهودَه مباركةٌ و مُؤيَّدةٌ من علماء الأمّة!! كما فعلَ لاحقاً يوم جنازة العلّامة القرضاويّ إذ استغلَّ المناسبة كذلك هو وَ “الأستاذ خالد مشعل” ليخطبوا خطبتين واحدةٌ في الجامع بعيد الصلاة على الإمام القرضاويّ، والثانية على قبره بعيدَ دفنه، و يصلُ بهم الأمرُ ليصفوا (العلامةَ القرضاويّ -رحمه الله و تقبّل منه- ) بالوصف ذاتِه الذي أطلقوه على القاتل المجرم “قاسم سليماني” و هو (شهيد القدس)!! فكيفَ يستوي الخبثُ مع السمو من منظور حماس؟!
ليس ذلك بغريب فمَنْ يقتربْ من إيرانَ و مجرميها سيمارسُ التقيّةَ ويعتبرُها دهاءً و سياسةً لأنّه في عُرفِ البرغماتيين الوصوليين الغايةُ تبررُ الوسيلةَ و لو كان على حساب سحقِ الثوابتِ من قِيمنا و أخلاقنا و عقيدتنا وحضارةِ إسلامنا، بل حتى لو زارهم علماءُ الأمّة و جلّوا لهم الأمورَ لن يعودوا عن نهجهم لأنهم بكل بساطة قد صنّعوا مرجعيّةً شرعيةً على هواهم.
• الثابت الثالث: و الذي هو بمثابة بوصلة المقال الذي نقرُّ فيه بمرجعية علمائنـا الأفاضل -سددهم الله – و نثمّنُ موقفَهم المنطلق من غيرتهم على وحدة صفِّ المسلمين و ما قاموا به هو تفضُّلٌ منهم بنيّة صافيةٍ صادقة لكن في ظل هذا الفضاءِ المفتوح و المعطيات الراهنة تجعلنا صريحين في تقديم الرؤية بصورتها التكامليّة في واقع جديدٍ متغيرٍ استثمرَه “هنية و مكتبه السياسيّ” بصورة غير نزيهة … لذلك أرجو قراءةَ المقال قراءةً متأنيةً و بوصفه وحدةً كاملةً، و وضعَ نقاطِه و الاعتباراتِ في سياقها المنطقيّ.
مـع فتح باب الحوارِ و النقاشِ لكل متابع مهتم لطروحات متزنة عسانا نلتقي على رؤيةٍ واضحة لـ “مرجعيّة الأمّةِ” كَمقدمةٍ لرسم ملامحِ مشروعِ النهضةِ الحضاريّ لأمّتنـا فالأفكار الإبداعيّة لا تنقدحُ إلا بالحوارِ الجريء المتّزن وعياً و أدباً.