منذ أيام صارت بعض الأفكار التي أتى بها الدكتور طارق السويدان حديث مواقع التواصل الاجتماعي بين مؤيد ومعارض ومنكر وشبه مُكفّر، وانهالت الردود على السويدان من أناس كثيرين غالبيتهم أقل منه علمًا فيما اتهموه به من عدم التخصّص، والبعض منهم صنعت منه مواقع التواصل شخصًا منتفخًا بجهله على علم قليل وأسلوب خطابي يداعب مشاعر العامة الدينية، فصار كما يظن نفسه ويظنه الرعاع حوله أحد أقطاب الدين، يفتي ويتحفنا برأيه عند كل واقعة.
لا أريد أن أعطي رأيًا في المسائل التي تعرَّض لها السويدان، فهذه لها أهل العلم، ولم أقصد أن أقلل من شأن من ردّ عليه من العلماء إذا سميتهم بالبقية في العنوان، لأن العنوان يريد أن يلفت نظر القارئ إلى المشكلة، لا أن يعطي للناس أقدارهم.
لمتابعة الأخبار السياسية والمنوعة اشترك في قناة صحيفة حبر على تلغرام اضغط هنا
المقلق في الموضوع هو ما تم تداوله بين البعض على أن التمسك بمذهب الوسطية الذي يمثله القرضاوي والسويدان وغيرهما، هو مظنة للانزلاق، ولكي أحمي نفسي لا بدّ أن أبتعد قليلاً عن الوسطية حتى لا أصل إلى حافةٍ انزلق فيها عن ديني ومعتقدي!! ومشكلتي هنا أني لا أعرف أن الإسلام إلا دينًا وسطًا، فكما لا يقبل بالانزلاق هو لا يقبل أبدًا بالتشدد بحجة أننا نحمي الدين، وهو دين بسيط وسطي واضح في مجمله، وهذه المسائل المشكلة ليست شيئًا من العقيدة التي تستحق الخلاف حولها ولو صورها بعضهم كعقائد، وسامح الله العلماء عندما يطرحون هذه المسائل في مواقع التواصل الاجتماعي فيشغلون العامة بها، وهي تحتاج نقاش أهل العلم، وبسطٍ في الكتب بتمهل، ولا يمكن التعبير عنها على الفيسبوك أو غيره، وربما هذا أول خطأ للدكتور طارق وهو برأيي أعظم ممَّا يليه؛ لأنه طرح مسألة قال عنها فيما بعد، إنه من الصعب أن توضّح على الفيسبوك، وأحال إلى كتاب وفيديوهات، فلماذا من الأصل يتم طرحها؟!
مسائل العقائد والأحكام تحتاج أن تناقش في مجالس العلماء المتخصصين، ثم ينشر للناس الخلاصات مع الأدلة والبراهين الواضحة البسيطة سهلة الفهم، ولا توضع في مجالس العامة فتفتنهم عن دينهم وتُثير بينهم الخلاف والاختلاف.
ثمّ إن ما يعتقده الدكتور طارق من مواضيع جزئية جدًا كالتي طرحها، هي شيء لا يطلبه الدين من الناس أصلاً، فإن أردت أن تبحث بها فاحتفظ بها لنفسك، ولا تشغل الناس بهوامش دينهم عن أصله ونصه.
الأمر الأخير: إن انزلاق السويدان وغيره (إن افترضناه جدلاً) لا يعني أن نغيِّر الدين لنحافظ على الناس، ونتشدد حيث الدين متساهل، ولا أن نتساهل حيث هو حاسم، فالدين هو الدين لا يجوز تغييره ولا التلاعب به، وهؤلاء الذين تكلموا عن ضرر الوسطية يشبهون حفنة من الجُهال ممَّن وضعوا الأحاديث كذبًا على رسول الله من أجل أن يزيدوا من تمسك الناس بدينهم، ثم اعترفوا بها عندما علموا عظيم ذنبهم.
…
“وكذلك جعلناكم أمة وسطًا” صدق الله العظيم
المدير العام | أحمد وديع العبسي