تغيُّر جذريٌّ في تكاليف دراسة الطلاب ولاسيما الأطفال مما قد أثار تذمُّر الأهالي ودفعهم لمقارنة الجيل السابق بالجيل الجديد، إذ تغيرت الأساليب والأنماط التقليدية التي عرفها الأهالي على مدى عقودٍ من تدريس أبنائهم، إلا أنَّ لهذا الجيلِ أساليب وأنماط حداثية كما يسمونها، حيث باتت “الوجبة المدرسية” بعد تغيُّر نمطها تشكّل عبئاً حقيقياً على بعض الأهالي، إذ انتشرت ظاهرةُ (اللانش بوكس) وهو صندوقٌ مجزأ من الداخل ليتمكن الطفل من أخذ عدة أصناف من الأطعمة معه إلى المدرسة.
تقول السيدة (دعاء): إن مصاريف دراسة طفلها (أيمن) لم تكن بسيطة كمصاريف إخوته في السابق، وأضافت: “كان الطفل في السابق يكتفي بسندويشة أصنعها له من حواضر البيت ، أما الآن فإنه يمدُّ إليّ “اللانش بوكس” لأملأه بعدة أصناف مختلفة”
تابعونا على صفحتنا الجديدة في فيسبوك من خلال الرابط هنـــــــــــــــــــــــا
تعتَبر هذه الظاهرة بدايات لتشكُّلِ فروقاتٍ طبقيّة بين الطلاب، إذ تتباين الوجبات بين وجبة طفلٍ يملأ صندوقه بكافة أنواع الأطعمة الفاخرة، وآخرٍ ليس في حوزته إلا لفافة خبزٍ مغمَّسةٍ بفقر عائلته.
اشتكت كذلك السيدة مرام من طلبات طفليها اللَّذين يريدان من نفس الوجبات والأصناف التي يأخذها زملاؤهم ، وأردفت قائلة: “زوجي عامل يوميّ، ما يكسبه يومياً يكاد لا يكفي لاحتياجات البيت، لا نملك القدرة المادية لتلبية متطلبات طفلَيْنا”
وقد أشارت السيدة إلى أن الأم لا يمكنها أن تتحكّم برغبة طفلها في تقليد صديقه المفضَّل.
وقد لاحظ المسؤولون والأخصائيون هذه الفروقات بين الأطفال، إذ يساهم عدد من المعلمين والأخصائيين بالحدِّ من هذه الظاهرة من خلال توعية الأهالي والتحدث إليهم ونشر منشورات توعوية عبر مواقع التواصل تبيّن خطورة مبالغتهم في تضخيم الوجبات وتنويعها.
اقرأ أيضاً: الكيان الصهيوني ومعادلة القوة في المنطقة
تقول الأستاذة (منار سيفو) المسؤولة لدى مؤسسات تعليمية معبرةً عن رأيها: “الفروقات المادية متواجدة في كل زمان، لكن سابقاً لم يكن ابن العز يستميت في إظهار عزِّه كما اليوم، وأعتقد أننا اليوم نعايش الكثير من مستحدثي النعمة الذين يتباهى أغلبهم بما عنده، وبذلك فإن الغنى المادي طاغٍ على الموروث الأخلاقي حيث ازدادت المنافسات في إظهار الماديات بشكل فاحش بين عوائل الطبقة الغنية”.
وتؤكد الأستاذة بأن الأمر أخلاقي بحت، وأن المؤسسات التعليمية بحاجة ماسّة إلى ضبط هذه الظواهر من خلال تحديد عدة أشياء بسيطة يُسمح للطفل باصطحابها إلى مدرسته، إضافة إلى منع الأطباق الفاخرة والمأكولات باهظة الثمن.
بينما أكدت المرشدة النفسية: (ولاء القاسم) لصحيفة حبر بأن هذه المفارقات تؤثر قطعاً على نفسية الطفل قائلة: “من الممكن أن تتشكّل عدة سلوكيات لدى الطفل وذلك بحسب استعداد الطفل للسلوك السيء، ومن الممكن جداً أن يتكوّن لدى الطفل سلوك عدواني تجاه الطفل الآخر الذي يسبقه في مظاهر الترف، وقد تتفاقم مشاعر الحقد تجاهه أيضاً، إضافةً إلى إمكانية شعوره بالنقص والخجل والخزي من حالته المادية ووجباته البسيطة وشعوره بأنه عرضة للسخرية من الطفل الذي يعيش في ترف”
كما أشارت الأستاذة المرشدة ولاء إلى أن ظاهرة اللانش بوكس لاسيما في بلدان الحروب والنزاعات قد عززت الفروقات الطبقية وأظهرتها.
وقد جاء رأي المرشدة النفسية ولاء القاسم مطابقاً لرأي الأستاذة منار سيفو بإرجاع أصل المشكلة إلى الموروث الأخلاقي وتربية العائلة ومنسوب الوعي الذي يتمتع به الآباء.
أما برأي السيد “أبو يوسف” فإن هذه المشكلة لا يمكن حلّها عن طريق نشر منشورات توعوية للأهالي، بل يكون الحل عن طريق قراراتٍ يصدرها مسؤولو التربية للحدِّ من هذه الظاهرة، وأردف: “لا تتجاوز ساعات الدوام المدرسي الخمس ساعات، أيْ أن الوجبة البسيطة كافية للطفل خلال هذه الساعات القليلة”.
فهل ستتحوّل المؤسسات التعليمية إلى مسرحٍ سينمائي لعرضِ مظاهر الترف والبزخ عن طريق الأطفال؟
أم أن هناك إجراءات تربوية ستحدُّ من مبالغة ذوي الطبقة المخملية بإظهار مخمليّتهم؟