علي سندة |
خير البداية بعد حمد الله والثناء عليه، والصلاةُ على نبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، هي الاستشهاد بقول نبينا للدخول في موضوع (الحياء)، فعن ابن مسعود قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إنَّ مِمَّا أدركَ الناسُ من كلامِ النُّبُوةِ الأولى: إِذا لم تَسْتَحِ فاصنَعْ مَا شِئْتَ.” وهذا الحديث يلخص لنا كل شيء عن الحياء، فمن فقد الحياء كأنه فقد الرقابة على كل شيء محظور يخالف القيم والمجتمع والدين بالضرورة، لقوله: “فاصنع ما شئْت”.
وثمة مثل شعبي يتداوله العامة يقولون فيه: “اِللي استحوا ماتوا”، وقصته باختصار أن جماعة كانوا يستحمون في حمام السوق، فشبَّ حريق في الحمَّام واستحوا الخروج بهيئة الاستحمام التي كانوا عليها والنجاة؛ لما سيقال عنهم فماتوا، وأما الذين معهم ولم يستحوا ممَّا سيقال عنهم فخرجوا على هيئتهم في الاستحمام ونجوا.
إن الحياء باختصار شديد معنى مرادف لكل ما هو خير، وعدم الحياء أي (البذاءة) معنى مرادف لكل ما هو شر، والخير والشر لهما سمات تدل عليها أخلاق المرء، يقول الشاعر (سَلَمُ بْنُ عَمْرٍو الشَّاعِرِ):
لَا تَسْأَل المَرْءَ عَنْ خَلَائِقِهِ … فِي وَجْهِهِ شَاهِدٌ مِنْ الْخَبَرِ
والحياء شُعبة من شُعب الإيمان، وفي الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ، أَوْ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ، شُعْبَةً، أَفْضَلُهَا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ».
اقرأ أيضاً: روسيا تعلن تشكيلها وفدًا لمراقبة مسرحية الانتخابات
وثمة حديث آخر رواه حسان بن عطية عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الحياء والْعِيُّ شُعْبَتَانِ من الإيمان، وَالْبَذَاءُ وَالْبَيَانُ شُعْبَتَانِ من النِفاق.” رواه الترمذي. والعيُّ هنا أتى بمعنى (الصَّمْت)ِ، وَالْبَيَانُ أتى بمَعْنَى (التَّشَادُقِ)، ويؤكد ذلك ما جاء في الحديث الآخر: «إنَّ أَبْغَضَكُمْ إلَيَّ الثَّرْثَارُونَ الْمُتَفَيْهِقُونَ الْمُتَشَدِّقُونَ». وما أكثر هؤلاء في زماننا.
ما جزاء الحياء؟
وبما أن الحياء من الإيمان، فالإيمان جزاؤه الجنة، وبما أن البذاءة من الجفاء، فالجفاء جزاؤه النار، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: “الحَيَاءُ مِنْ الْإِيمَانِ وَالْإِيمَانُ فِي الْجَنَّةِ، وَالْبَذَاءُ مِنْ الْجَفَاءِ وَالْجَفَاءُ فِي النَّارِ».
ممَّن يجب أن يستحي المرء؟
على المرء أن يستحي من ثلاثة أمور:
الأول: من الله سبحانه وتعالى، والحياء من الله يكون بالامتثال لأوامره وتجنب نواهيه.
لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على تلغرام اضغط هنا
والثاني: الحياء من الناس، فمن لم يستحِ من الناس يعني أنه يخالف قيم الخير السائدة في المجتمع الذي يعيش فيه ويميل بأفعاله نحو الشر، وسبقت الإشارة إلى ارتباط الحياء بالخير، وارتباط البذاء بالشر، فعدم الاستحياء من الناس يعني تخريب منظومة القيم السائدة التي تحكم المجتمع وتضبطه.
والثالث: أن يستحي الإنسان من نفسه، نعم على الإنسان أن يستحي من نفسه بزجرها وعفتها وتقويمها ومساءلتها، وتعويدها على الخير دائمًا، فإن عودها الخير اعتادت عليه، وإن عودها الشر اعتادت عليها، يقول الإمام البوصيري في قصيدته المشهورة:
فالنفس كالطفل إن تهمله شبَّ على.. حبِّ الرضاعِ وإن تفطمه ينفطمِ
اللهم اجعلنا ممَّن يستحي منك ومن خَلقِك ومن أنفسنا لنكون على الخير أبدًا ما أحييتنا، حتى نكون في زمرة المؤمنين، وما جزاء الإيمان إلا الجنة.