وثيقة المبادئ الخمسة الجديدة، تمرير للتسلطية وترسيخ للتفرقة

أحمد وديع العبسي

وثيقة المبادئ الخمسة الجديدة، تمرير للتسلطية وترسيخ للتفرقة | أحمد وديع العبسي 

ظهرت منذ يومين بحسب التاريخ المدرج عليها، وثيقة سورية جديدة باسم السوريين، والوثيقة كالعادة بمرتبة (بيان) إذ أن الحد الأدنى من المعايير التي تلزم لتسمية هذه الورقة بوثيقة لم يكن متوفراً بالشكل المطلوب. تضمنت الوثيقة خمسة مبادئ عامة يتوافق عليها معظم السوريين حقيقةً، وإن اختلف البعض في ترتيبها أو في طريقة صياغتها، ولكن في العموم المبادئ مهمّة وأساسيّة في عملية التغيير السياسي التي يسعى إليها الشعب السوري.

وتطرقت المبادئ الخمسة في الوثيقة إلى أحقية التظاهر السلمي، والحل السياسي المستند إلى القرارات الدولية، ووحدة سورية، وقضية المعتقلين والمغيبين، وخروج القوات الأجنبية والمليشيات الطائفية والمتطرفة من سورية. ولا مشكلة عموماً بهذه المبادئ ولكن المشكلة تكمن في “المقدمة” عندما حاول من قام بصياغة الوثيقة تمرير عبارة (علمانية الدولة) بالإضافة لتمرير مصطلح (الجندر) وما ينطوي عليه من معاني متشابكة غير متفق عليها.

وبشكل شخصي قد لا اختلف كثيراً مع كثير من المعاني التي تندرج تحت هذين المصطلحين، ولكنني بشكل مؤكد اختلف مع “المنهجية” المتبعة في تمرير توافق مزعوم من السوريين حولهما، فغالبية من يعملون في الشأن السياسي والثقافي يعلمون أن هذين المصطلحين ينتميان لمجموعة من المصطلحات التي تعدّ الأكثر إشكالية في مستقبل سورية والسوريين، وتتخذ تيارات عديدة مواقف مختلفة تجاههما، وتمريرهما بهذه الطريقة سيثير حفيظة عدد كبير من السوريين، ويجعل الوثيقة والحراك الذي وقف خلفها هو مثار خلاف ومخالفة بدلاً من أن يكون محل اتفاق بين السوريين كما هو الحال في المبادئ الخمسة التي تلت تلك المقدمة.

طبعاً أثناء التقصي حول (الوثيقة) تبين أن البعض ممن ذُكرت أسماؤهم كموقعين عليها، غير موافقين على كل ما ورد فيها تماماً، وهذه الإشارة كان لابدّ من إدراجها في (الوثيقة) وعدم تجاهلها لكي تحافظ على مصداقيتها أمام الجمهور.

كان من الممكن أن يكون البيان أكثر لطفاً وتوازناً، ويرجئ ما هو محل خلاف بين السوريين لمرحلة لاحقة تكون صناديق الاقتراع والتوافق الوطني هو من يحدده، لا أن يتم اختلاق توافق وهمي حول مصطلحات هي محل خلاف وربما (نزاع) بين السوريين من أجل تمريره وتعويمه بشكل تسلُّطي من قبل مجموعة صغيرة تدعي أنها تمثلهم وتصدر وثيقة باسمهم، وليس كل من وقع على هذه الوثيقة موافق على كل ما جاء فيها.

إن من شأن هذه الحركات من قبل البعض ولو جاءت بنية طيبة أن ترسخ التفرقة بين السوريين وأن تنشئ بينهم سباق محموم لكي يفرض كل فريق أيديولوجيته على الدولة ويدعي أن هذه الإيديولوجيا تمثل غالبية السوريين وتختزل رؤيتهم، فالعلمانية أيديولوجيا كبرى، لا تقل في بعض ممارساتها تطرفاً عن بعض الأيديولوجيات التي تدعو الوثيقة لخروجها من سورية.

ومصطلح “الجندر”، عادة ما يتم إقحامه في بيانات منظمات المجتمع المدني طلباً لرضا المانحين وبغية استمرار التمويل، ومن غير اللباقة أن يتم إدراجه في بيان وطني، من المفترض أنه لا يستجدي لا رضا الممولين ولا القوى الخارجية وإنما هو موجه لأبناء الوطن الذين في معظمهم لا يعلمون ما الذي ينطوي عليه تماماً هذا المصطلح، وإن كان قد ذكر بحسن نية فمن المفترض أن يُذكر في سياقه الشرقي المتمثل بعدم التمييز بين الرجال والنساء واحترام حقوق النساء ودعمهم في الأطر الاجتماعية والسياسة كافة ليشاركوا في صنع القرار وإدارة الدولة والمجتمع. فالعبارات السابقة أكثر وصولاً وأقل التباساً، ولا يمكن أن تنطوي على إيهام أو مخادعة

في النهاية لا بدّ أن نذكر أنه من المبكر جداً أن نبدأ بتمرير أي أيديولوجيا على ثقافة الدولة السورية ووعي المجتمع السوري، وإن ما أسهم في تفرقة السوريين منذ انطلاقة ثورتهم هو التسلط الذي مارسته بعض الفئات في تمرير أيديولوجيا معينة في مواجهة الفئات الأخرى، إن ما يجمع السوريين أكبر بكثير مما يفرقهم، والحرية والعدالة قيمتان أساسيتان تضمنان المساحة الأكبر من التوافق في سبيل الخلاص من الطغيان والاستبداد، وهذا هو الأهم في هذه المرحلة، وبإمكان الجميع في مرحلة لاحقة المساهمة في صياغة شكل الدولة وهويتها وثقافتها عبر صناديق الاقتراع دون أن يطغى بعضهم على بعض.

أخيراً … لا أعتقد أن هذه (الوثيقة) ستعيش طويلاً بسبب عدم التوفيق في عنونتها، إذ أن هناك وثيقة أخرى تحمل نفس الاسم هي أيضاً محل إجماع تيار كبير من السوريين، وستشتبك مع هذه (الوثيقة) كلما ذكر العنوان ليتم السؤال عن أي وثيقة يتحدث السوريين، فكان من الأفضل من أصحاب (الوثيقة) اختيار اسم آخر لها، وربما هي فرصة الآن لتعديلها وإزالة مواضع الإشكال فيها، وإعادة إطلاقها من جديد بتسمية جديدة …

أحمد وديع العبسيالجندرالعلمانيةالمبادئ الخمسةسوريةوثيقة المبادئ الخمسة