هل لعبتَ عزيزي القارئ يومَ كنتَ طفلًا مثلي لعبةَ التقاطِ شيءٍ ما رماهُ أصدقاؤكَ نحو السّماءِ، ثمّ تباريتم على التقاطه وأنتم تضحكون وترتعون وتراقبون السماء بشغفٍ؟
إنّه التباري ذاته يمارسه أهلُ غـ.ـزّة الكرام، رغمًا عنهم، دونَ خَيارٍ لهم، وخاصّةً في الشمالِ، وهم يحاولون التقاط وجبةِ طعامٍ طائرةٍ، رمتها طائرةٌ أمريكيّةٌ فوقَهم، ولكنّهم – يا لَتعبَهم – لا يلعبون ولا يضحكون، إنّهم يلتقطون وهم يبكون، نعم، يبكون، كلّ الأعناق تنظرُ إلى السّماءِ، تتتبّعُ الوجبات الطائرة، تهبطُ كلّ وجبةٍ بمظلّة تتهادى، يمين، شِمال، شرق، غرب، تسيرُ جموعُ الكرامِ الجائعة مع حركةِ الريح تحاول توقعَ مكان الهبوطِ، عساهم يلتقطوا وجبةً تنقذُ أطفالهم من الموتِ جوعًا أو جفافًا أو قهرًا ربما، بعد أن نجَو – حتى الآن على الأقل – من القتل بالقصفِ..
تابعونا على صفحتنا الجديدة في فيسبوك من خلال الرابط هنـــــــــــــــــــــــا
تبدو الصورة في غـ.ـزّة مع بداية شهر رمضان 1445 لهجرة النبيّ صلى الله عليه وسلم، تبدو مؤلمةً جدًّا ومتناقضةً جدًّا جدًّا، ويكفي يا قارئي الكريم أن تعلمَ نموذجًا من التناقض الّذي لا غرابة فيه، نعم، يحضرُني بيتٌ شِعريّ وكأنّ الشاعرَ كتبَه باسمهم، حينما قال:
ونبكي حينَ نقتلُكم عليكم ونقتُلكم كأنّا لا نبالي
نعم، فأمريكا الّتي ترسلُ مظلات غذائيّة ترميها فوق غـ.ـزّة، ترسل قبلًا وبعدًا سلاحًا يقتلُ بالجملة، ترسله “لإسرائيل” بسخاءٍ منقطعِ النظير.
اقرأ أيضاً: إيران تطلب من ميليشياتها التوقف عن استهداف القواعد الأمريكية
إنّ أمريكا تمامًا كما قال الشاعر، تقتلهُم بلا مبالاةٍ، وتتباكى عليهم كالتماسيح، إنها تقتلُ وتمشي في الجنازة تُعزّي…
عندما كنّا صغارًا كنّا نسمع من جدّاتنا حينما يتحدثنَ عن الفقرِ، يختمنَ كلامهنّ غالبًا بعبارةٍ شهيرة: “ما حدا يموت من الجوع”، ولكنّ هذا المثل ما مرّ عليه في تاريخه ما ينقضُه، إلا الآن، فأهل غـ.ـزّة باتوا يموتون بطُرقٍ كثيرةٍ، والجوع إحداها.
عندما تابعتُ صورة جموع الجائعين في شمال القطاع، يخوضون البحر بالمئات بعد أن هوتِ الريحُ بالوجبات فوق الماء، تألّمتُ، وشعرتُ بالخِزيِ والضّعفِ وشعرتُ بالهوانِ في آخر الزمان هذا، قُبيلَ الإفطار اليوم كنتُ جائعًا تخيلتُ أنّ غزيًّا وغزّيةً صائمان، ولكنهما لا ينتظران المغرب مثلي ليشبعا، إنهما ينتظرناه ليحتسبا يومًا من رمضان مضى ويواصلان الصّومِ حتى إشعارٍ آخر