إحدى عشر عامًا من الحرب، لم تقتصر فيها معاناة الشعب السوري على ما كانت تراه أعيننا من الدماء والدمار؛ إنما تجاوزت آثارها نفوس الناجين وقلوبهم، وتظافرت عليهم ضغوط الحياة النفسية والاجتماعية والاقتصادية، وأبعدتهم ظروف الحرب عن أسرهم الممتدة، فَضعُفت القيم الأسرية لديهم، وظهرت العديد من المشكلات الأسرية والنفسية عندهم، فكان لا بد من تقديم الدعم والإرشاد والتثقيف النفسي والأسري لهم، والعناية بمؤسسة الأسرة في المحرر بشكل خاص.
وهذا ما بادرت إليه الأوقاف والشؤون الدينية في الشمال السوري، وفي خطوة أولى بدأت بتأهيل عدد من الكوادر ضمن بروتوكول تعاون مع منظمة لأنك إنسان للدعم النفسي الاجتماعي؛ من خلال برامج معدة مسبقًا من قبل دكاترة نفسيين ومختصين شرعيين، شملت البرامج معلومات نظرية وممارسات تطبيقية عملية، بالإضافة لذلك تميزت البرامج بطرحها للجوانب الشرعية لما يتعلق بالأسرة والصحة النفسية.
وفي حديث مع المنسق العام في الشؤون الدينية في المناطق الآمنة في سوريا عبد القادر بكر أوغلو أفاد بأنّ: الهدف من هذا المشروع هو تقديم خدمة الدعم والتوعية والإرشاد للأسرة بكل روابطها؛ وذلك في المكاتب وفي السجون والمشافي والمدارس والمؤسسات الاجتماعية، سعيًا لتحقيق الاستقرار الزواجي، والحفاظ على هيكل الأسرة وحمايتها، والحد من ظاهرة التفكك الأسري.
وفي لقاء للدكتور ياسر الشلبي والذي كان أحد مدربي كوادر مكاتب الإرشاد الأسري صرح بأنّ: هذا المشروع لفتة رائعة وهامة وسوف تُحدِثُ فرقًا بإذن الله في الداخل السوري، وتعالج المشكلات التي نعاني منها نتيجة لما نعايشه في الداخل من تحديات وصعوبات، وتخفف الآلام النفسية والاجتماعية.
حيث تسعى مكاتب الإرشاد الأسري لتهيئة أفراد الأسرة للتكيّف مع طبيعة الحياة بكل السبل المتاحة، والتخلص من الصعوبات والهموم التي يعايشونها، وتحقيق التقارب والتوافق والتسامح والتفاهم فيما بينهم، والنجاة من التوتر والانفعال والقلق، وحل الصراعات والمشكلات التي تواجههم، وتطلع لتحقيق مناخ أسري متكافل.
والجدير بالذكر أن رئاسة الأوقاف الدينية هي الجهة المختصة بإصدار تراخيص لإنشاء وافتتاح هذه المكاتب، وقد تم تفعيل خدمة الإرشاد الأسري في الشهر التاسع سنة 2021، في 19 مدينة بداية من رأس العين حتى عفرين.
حيث توفر هذه المكاتب خدمة الإرشاد بنوعيه، الفردي والجماعي، وتقدم البرامج الإرشادية التثقيفية والوقائية في جميع المؤسسات والمراكز الاجتماعية (المدارس، المشافي، السجون، الجمعيات، الجامعات)؛ من خلال إقامة المحاضرات والندوات وورش العمل فيها، كما تُعنى هذه المكاتب بتنفيذ برامج الرعاية الأسرية؛ من خلال زيارة أبناء الشهداء والأرامل وزيارة المشافي والسجون، وتنفيذ زيارات داخل المراكز الاجتماعية الأخرى، أيضًا تقدم هذه المكاتب خدمات الإصلاح الأسري وحل النزاع بالتعاون مع محكمة الأحوال الشخصية.
وقد استقبلت هذه المكاتب خلال الشهر الفائت أكثر من 50 حالة فردية، وقدمت الخدمة الإرشادية لهم، وعلى الجانب الآخر تم تقديم خدمات الإرشاد الجماعي لأكثر من 1000 مستفيد خلال شهر واحد، وتضمن الإرشاد الجماعي المقدم محاضرات تثقيفية للأمهات تكسبهن اتجاهات إيجابية في تربية أبنائهن، ودورات تدريبية في إعداد الشباب والمقبلين على الزواج للحد من المشكلات الزوجية الأسرية وبناء بيوت مطمئنة، وورش عمل لليافعين تكسبهم المهارات الحياتية، وأنشطة دعم نفسي لأطفال الروضات والأيتام، وغير ذلك.
وقبل تقديم هذه الخدمات يتم البحث في المشكلات الأسرية المنتشرة في كل منطقة على حدا، وإجراء استبيان تقييم لاحتياجاتها، للحفاظ على القيم والعادات الاجتماعية الحسنة الموجودة فيها.
ويمكن لأي شخص الاستفادة من خدمات الإرشاد الأسري الفردي والجماعي، عن طريق الحضور الشخصي لمكتب الإرشاد الأسري في منطقته، أو الاتصال هاتفياً بمكتب الإرشاد الأسري وتحديد موعد للمقابلة.