يطلق مصطلح الكومبرادورية على الطبقة الطفيلية الانتهازية الاستغلالية التي تنشأ وتنمو في معظم المجتمعات، في مرحلة التحول من الاقتصاد الذي يخضع لمراقبة أو إدارة الدولة إلى الاقتصاد الحر، أو اقتصاد السوق الرأسمالية. وهي ظاهرة لا تخلو منها المجتمعات عموما، والمجتمعات العربية خصوصا. المبنية على التحايل والنهب، وكذلك طبقة غير منتجة على الإطلاق. وبالتالي فإن ثراءها وسلوكها البرجوازي، هو سلوك مصطنع. لا يتوقف رفض المجتمعات لهذه الطبقة الطفيلية اللصوصية، وافتقارها للأخلاق المتعارف عليها، بعد أن تبنت أخلاق السوق. بل من المعروف أن هذه الطبقة تقوم بدور الوكيل المحلي، لتنفيذ أجندة المؤسسات الدولية الرأسمالية، عن طريق منحها توكيلات وتمثيل تجاري. لقد كانت هذه الأنظمة القائمة على فكرة الكومبرادورية سبباً في تخلفنا، وهي من أجنحة الرأسمالية الرثة. لا علاقة لهم بالوطن والثورة. لذلك اقترح فصلهم عن المركز المنتمين إليه. عن طريق مقاومة ظافرة توحدنا، وتضعفهم كجزء من معركتنا الثورية، وبعد ذلك محاولة إضعاف المركز من خلال تفكيك النمط الإنتاجي، بفعل الاعتراض على سمته ذاتيا في المركز. مع الأخذ في الحسبان المقاومة السياسية والثقافية، وإن كانت أبعد من أن تكون بقايا للماضي، فهي على العكس من ذلك، ردود فعل على تحدي الاستقطاب الرأسمالي، ذلك يهيؤنا للانتقال السلمي للاشتراكية الإسلامية، التي تحدث عنها الشيخ مصطفى السباعي. وهذا موضوع جدّ مهم لابد من التوقف عنده ودراسته بشكل جيد وبكل أبعاده.
لقد قال في مقدمة كتابه اشتراكية الإسلام :” لقد سميت القوانين والأحكام التي جاءت في الإسلام لتنظيم التملك وتحقيق التكافل الاجتماعي باشتراكية الإسلام، وإن بعض الغيورين على الإسلام يكرهون هذه التسمية، لأن الاشتراكية في رأيهم هي موضة هذا العصر، فلا يصح أن نبادر إلى القول بالاشتراكية الإسلامية تمشيا مع هذه الموضة ويسود القول بمذهب اقتصادي آخر، فنضطر إلى العدول عن القول بالاشتراكية الإسلامية خوفا من أن نستغل المذاهب الاشتراكية وبخاصة الشيوعية منها هذه التسمية لتستخدمها في الدعوة إلى مذهبها وأيضا فالإسلام نظام مستقل قائم بحد ذاته وقد سماه الله إسلاما، فلا يجوز لنا أن نسميه باسم جديد. لقد اخترت القول باشتراكية الإسلام مع العلم بكل ما يقوله هؤلاء، لأنني لا اعتقد أن الاشتراكية موضة ستزول بل هي نزعة إنسانية تتجلى في تعاليم الأنبياء ومحاولات المصلحين منذ أقدم العصور. وتسعى شعوب العالم الحاضر وبخاصة المتخلفة إلى تحقيقها. وتهدف الاشتراكية على اختلاف مذاهبها على منع الفرد من استغلال رأس المال للإثراء على حساب الجماهير وبؤسهم وشقائهم وإشراف الدولة على فعالية الفرد الاقتصادية ومراقبتها له وتحقيق التكافل الاجتماعي. هذا الهدف لا اعتقد أن واحداً ممن يعرف الإسلام، ويفهم روحه على وجهها الصحيح ينكر أن الإسلام قد وضع نصب عينيه في كل تشريعه. ووضع له من التشريع ما يكفل تحقيقه على أحسن حال، فإذا كان الأمر كذلك وكان هذا الهدف هو مما لا سبيل إلى رجوع الإنسانية عنه وستظل تكافح في سبيله حتى تصل إليه. كان من الصد عن دين الله والظلم لشريعة الإسلام وللحق أن ننكر القول باشتراكية الإسلام أو نتجنب هذه التسمية”. ويختتم الشيخ السباعي في مقدمة كتابه بالقول:” هذه القوانين والمبادئ التي تنظمها اشتراكية الإسلام أساس صالح متين لإقامة مجتمع اشتراكي في بلادنا تتجاوب الأمة في مشاعرها وعقائدها مع قوانينه ونظمه، وفي ذلك تعجيل بتطوير مجتمعنا إلى المستوى الذي تنشده نهضتنا العتيدة، واختصار من الجهود التي تبذل لإقناع الشعب بتقبل نظم الحياة الاشتراكية الجديدة عن غير هذا السبيل. إن الشعب أكثر استعدادا لتقبل المبادئ التي تنظمها الاشتراكية الإسلامية وتطبيقها بحماس وإيمان لا ينكر أثرهما في نهضات الشعوب وللوقت قيمة في تاريخ النهضات وخاصة في عصرنا الحاضر. ونحن في عرضنا الواضح للاشتراكية الإسلامية نرجو أن نكون قد أسهمنا في إقامة مجتمعنا على أساس اشتراكي سليم. وتخليصه من الرواسب السيئة، التي خلفتها الفوضى والجهل وفساد الأخلاق في العصور المتأخرة من تاريخنا. وفي الاستفادة من اشتراكية الإسلام إثبات لشخصيتنا المستقلة وتحرير لأمتنا من التبعية الفكرية والسياسية لأية دولة من دول العالم وتحقيق قوي من الغزو الفكري الذي يجب أن تبذل له الجهود الصادقة لوقاية جماهيرنا من أخطاره وفيها أيضا رد قوي على تلك المحاولات، التي تبذل لربطنا بعجلة جديدة بعد أن بدأنا بجمع قوانا المبعثرة، ونسلك الطريق الصحيح للوحدة والسيادة الكاملة على أرضنا ومقدراتنا”. لكن وللأسف الكومبرادورية بدأت تعيد بناء الدولة وفق وظيفتها الاقتصادية. لم تقم بثورة برجوازية تقضي على العلاقات الاقتصادية الكولونيالية، التي كانت ولا تزال تعيق تطور مجتمعاتنا العربية. بل كانت الدولة الكومبرادورية من مخلفات العولمة وتأثيرها السلبي على مجتمعاتنا العربية ..
لذلك يا حبذا وقفة عميقة مع كتاب الشيخ السباعي اشتراكية الإسلام والاستفادة من مضمونه في الحد من طغيان الأغنياء ورفع مستوى الفقراء، والوقوف إلى جانب الكادحين أمام جشع الرأسماليين المستغلين. لقد أراد الإسلام أن يقول لهم أن هذه هي مبادئه، التي يناضل من أجلها لإنصاف الفئات المسحوقة وصون حقوقها. بل كانت الدولة الإسلامية، هي أول دولة في الإسلام تجيش الجيوش وتعلن القتال من أجل انتزاع حق الفقراء من طغيان الأغنياء. حتى قال الصديق أبو بكر رضي الله عنه:” والله لو منعوني عقالا أي حبل بعير من حقوق الفقراء كانوا يؤدونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه”. إن هذه المبادئ أقرب إلى العدل والتوازن دون اشتراكية ملحدة أو مادية مجحفة، بل الاشتراكية التي تقيم العدل في الأرض، أرض الله على جميع عباد الله وهي الجديرة بأن تنسب إلى الإسلام.