أتظن نجاتك من هوى النفس؟!

علي سندة

بادئ ذي بدء الاستفهام السابق لمن يعبد الله ويتذكره على الأقل في اليوم خمس مرات في الصلاة فضلًا عن باقي الفروض أو تأديته السنن والنوافل وعمل الخير، فهذا يعدُّ من الصالحين، أما من هو غافل عن الله، ويتقلب في غمرات الدنيا فهو يعيش في هوى النفس من الأصل وليس بحاجة إلى قياس معرفته للنجاة من هواها، إذ إنه يحتاج الإنابة إلى الله أولًا والعودة إلى أصل وظيفته التي خلقه الله لأجلها وهي العبودية والاستخلاف في الأرض بحق، ثم العمل على محاربة النفس وهواها وأمن مكرها.

أما وأن الصالحين لا يأمنون هوى النفس، فهاك قول لسيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه وهو: “لو إحدى قدمي في الجنة والأخرى خارجها ما أمنت مكر الله” فهذا صديق الأمة لا يأمن مكر الله، وقد قال فيه سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنهما كما جاء في الأثر: “لو وُضِع إيمان أبي بكر الصديق في كفة وإيمان الأمة في كفة لرجحت كفة أبي بكر.” فكيف بنا؟!

                          لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على تلغرام اضغط هنا

إن الله سبحانه وتعالى حذَّرنا من هوى النفس وقلة رغبتها بفعل الخير في كثير من آيات القرآن الكريم، نذكر منها قوله تعالى: ” إِن النَّفس لأمارة بالسوء” (يوسف: 12)، وقوله تعالى: ” وَنهى النَّفس عَن الْهوى” (النازعات: 79)، وقوله تعالى: ” أَفَرَأَيْت من اتخذ إلهه هَوَاهُ” (الجاثية: 45).. وغيرها من الآيات، والشاهد من كل ذلك أن عيوب النفس كثيرة، وربما أهمها بالنسبة إلى العابد التوهم أنه ناجٍ من هواها، وأنه يسير في الطريق الصحيح مادام يؤدي الفروض ويمشي في الخيرات، والحقيقة غير ذلك، كونه يتَوَهَّم أَنه على بَاب نجاته يقرع الباب بفنون الأذكار والطاعات وَالْبَاب مَفْتُوح، لكنه أغلق بَاب الرُّجُوع على نَفسه ومراجعتها بكثرة المخالفات، وفي ذلك ثمة قصة لرابعة العدوية وهي “أنها مرَّت بمجلس صَالح المري، فَقَالَ صَالح: من أدمن قرع الباب يُوشك أَن يفتحَ لَهُ، فَقَالَت رابعة: الباب مَفْتُوح وانت تفرُّ منه، كَيفَ تصل إِلَى مقصدٍ أَخْطَأت الطَّرِيق مِنْهُ فِي أول قدم؟!”

والقصة السابقة تخبرنا أن العبد لا ينجو من عيوب نفسه مادام لا يردع نفسه عن الشهوات ويذكرها بوظيفتها، لا ينجو مادام يفعل الخير وينتظر الشكر من الناس، وإن لم يشكروه راح يقول أمام الآخرين فعلتُ مع فلانٍ كذا ولم يقل لي كلمة، وآخر ربما يتصدق ويزكي كل يوم لكن لم يبقَ أحد ممَّن حوله إلا وعلِم ماذا فعل ومن صاحب الحاجة العفيف،.. وهذا بالضبط هوى النفس ووسوسة الشيطان لتضليل الإنسان وضياع عمله.

 

لذلك يجب الدعاء دائمًا بحسن الختام ولقاء الله على أفضل وأحسن حال، وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم: ” إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، فَيَدْخُلُهَا، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيَدْخُلُهَا” ولكي لا يسبق الكتاب ويكون صاحبه من أهل النار، للجنة شرطان إن طبقهما نجا وصار كتابه من الجنة، هما: مخافة مقام الله ونهي النفس، لقوله سبحانه وتعالى: “وأما من خاف مقام ربه و نهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى.” (النازعات: 79).

الإنسانالعودة إلى اللهالنفس البشريةعلي سندةمجاهدة النفسهوى النفس