من المؤسف أن يكون هذا العنوان مقدِّمة للحديث عن جامعات المحرر، التي من المفترض أنها إحدى أهم الوسائل في تربية جيل الحرية والعدالة والحوار والمساواة، لكن يبدو أن الكثيرين ممَّن يتصدون لعملية التعليم مايزالون يحملون في نفوسهم الكثير من مخالفات الاستبداد الذي عايشوه وتربوا عليه في مدارس وجامعات النظام.
لا أريد أن أشكك بثورية الأساتذة في الجامعتين، لكن يبدو أنهم لم يتخلصوا بعد من العقلية القديمة القائمة على التعالي والاستبداد بالطلاب واستخدام العلامات كسلاح لترويع الآمنين في السنوات الدراسية، وفرض منهجهم وفهمهم وعدم قبولهم لأي نقاشات لا في العملية التعليمية ولا خارجها، ومن يتجرأ على رفع صوته سيعاقب بحرمانه من مادة أو فصل دراسي أو بعض العلامات في العملي وحلقات البحث، وما إلى ذلك من أساليب غاية في الرجعية والتخلف لا تليق بجامعات الحرية.
منذ فترة طويلة وأنا أسمع وأعاين الكثير من المشكلات بين الطلاب والأساتذة من الأنواع المذكورة أعلاه دون أن أكتب عنها، في محاولة لتجاوزها وعدّها أخطاءً فردية، لا تمثل منهجية جامعة، حتى أصدرت جامعة إدلب ذلك القرار الغبي الذي يمنع الاختلاط على وسائل التواصل، ممَّا جعلنا أضحوكة للناس، ومادة للسخرية في صفحات النظام، وليزيد أحد دكاترة جامعة حلب الحرة الطين بِلة بربط علامات حلقة بحث بحضور احتفالية ما، وجعل حضورها إلزاميًا على الطلاب، طبعًا وغير ذلك الكثير ممَّا لا مجال لذكره في مقال واحد.
اقرأ أيضاً: جامعة إدلب تمنع طلابها من تشكيل مجموعات مختلطة تحت طائلة المساءلة
ما يجب قوله في النهاية أن بعض الأساتذة للأسف يعتقدون أن تصرفاتهم هي أخطاء عابرة، وأنها تخصهم وحدهم، لكنها في الحقيقة أخطاء كبيرة تشوِّه الثورة ومؤسساتها بشكل عام.
كما يجب أن يعرفوا أن الثورة ليست مجرد عبارات وهتاف فارغ، إنما مجموعة من السلوكيات التي تستند إلى قيم الحرية والعدالة والحوار والمساواة والاحترام المتبادل ومحاربة الفساد أينما وُجد، فلا بدَّ أن يسألوا أنفسهم إزاء كل تصرف يقومون به إن كان بالفعل لا يُسيء لهذه القيم، ولا يتعارض مع الأخلاقيات العامة والخاصة، ولا مع ثقافة المجتمع الأصيلة وهويته ومرجعياته، خاصة أنهم يتصدون للشأن العام وأخبارهم من السهل أن تنتشر في كل مكان لتكون صورةً من صور التعبير عن مجتمع الثورة بسلبياته وإيجابياته.
لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على تلغرام اضغط هنا
وعليه أن يعرفوا أن الكثير من الوسائل القديمة التي يتقنونها لم تعد صالحة للاستخدام في مجتمع الحرية، لذلك عليهم بذل بعض الجهد والوقت لابتكار أساليب جديدة يتخلصون بها من عوالق الاستبداد في طبائعهم وأذهانهم.
وأخيرًا فإنه لا يمكن تجاوز مثل هذه الأخطاء بحجة عدم التشهير بمؤسسات الثورة كما ينصحنا البعض؛ لأنها ببساطة ستساهم في تشويه سلوكيات الجيل القادم الذي نريده أن يكون مختلفًا ومتقدمًا ومُشبعًا بالقيم.
المدير العام | أحمد وديع العبسي