تتسارع مؤشرات انطلاق عملية عسكرية تركية في الأيام المقبلة بهدف استعادة بعض المناطق التي تسيطر عليها ميلشيات قسد بمحاذاة الشريط الحدودي، التي تستخدمها نقطة انطلاق لعملياتها الإرهابية ضد المدنيين، ومؤخرًا استهدفت قسد دورية تركية وقتلت جنودًا، وهذا ما عجَّل من حسم أنقرة قرارها بضرورة التحرك ضد التنظيم الإرهابي، وهو ما وصفه الرئيس التركي أردوغان بأنه “القشة التي قصمت ظهر البعير”.
لكن على الرغم من درجة الحساسية العالية لتركيا من قسد، إلا أنها لا تستطيع التعامل معها عسكريًا بشكل واسع دون تحقيق توافقات حول ذلك مع قطبي الصراع في سورية، روسيا من جهة، والولايات المتحدة من جهة أخرى.
فالولايات المتحدة التي يقودها الديمقراطي جو بايدن تختلف عن أمريكا الجمهوري ترامب، الذي كان معجبًا بأردوغان، الذي شن بضوء أخضر أمريكي عدة عمليات في سورية والعراق.
مظاهرات شعبية احتجاجًا على الأوضاع المعيشية والغلاء في إدلب
اليوم تمرُّ العلاقات التركية الأمريكية بمرحلة متشابكة من المصالح المتضاربة والشراكة المعقدة في جوانب أخرى في ظل تباعد مستمر بين سياسات البلدين حول العديد من القضايا، وعلى رأسها مسألة شراء منظومة الصواريخ s400 من روسيا، وعدم تزويد واشنطن لأنقرة بطائرات F35 ، كما أن الحماس الذي تظهره أنقرة لسياسات بايدن تجاه الصين ليس بالدرجة التي يرغب بها سيد الأبيض، بل إن التجاهل الأمريكي لانهيار سعر صرف الليرة، وربما دعم هذا الانهيار بالخفاء، شكَّل نقطة دافعة إضافية لدى تركيا في التصعيد العلني ضد الوجود الأمريكي في شرق الفرات.
واليوم تستطيع واشنطن الوقوف في وجه العملية التركية بأشكال متعددة، وعلى رأسها ما تخشاه أنقرة من خلال تسليح قسد بأسلحة نوعية قد تعرقل تقدمها وتلحق بها خسائر، وبالمقابل يمكنها أن تمنح الضوء الأخضر، وذلك مقابل ما قد تطلبه من ثمن!
لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على تلغرام اضغط هنا
أما على الجهة الأخرى، فإن لقاء بوتين وأردوغان في سوتشي يبدو أنه وضع أسس الاتفاق بين الجانبين حول ذلك، فالطرفان لهما تجارب سابقة في رسم حدود المساومة والمعركة بالقدر الذي تتوازن فيه مصالح الطرفين على الأرض.
ورغم السرية والتفاهم على أعلى المستويات بين الجانبين، إلا أن الخلافات الروسية التركية على الأرض أكثر تعقيدًا وصدامًا لمحاولة كلا الطرفين تحقيق مكاسب، والمسك بأوراق جديدة في بيئة مضطربة ومتعددة الفواعل عسكريًا وسياسيًا، فالعمليات التي تخطط لها أنقرة شرق الفرات ربما تصطدم بممانعة أمريكية، ممَّا يعني عرقلة أي محاولة روسية للتقدم تجاه طريق M4 . كما أن تحرير الشام ليست بموقع القبول الأعمى بالتفاهمات التركية الروسية، وهي عثرة حقيقية في وجه المخطط الروسي.
ومن جانب موسكو، فإن مشكلتها لا تختلف كثيرًا عن أنقرة، وهي عدم قدرتها على ضبط العناصر المتاخمة للمناطق التي تنوي أنقرة دخولها، حيث تتداخل قوات النظام والميلشيات الإيرانية وقسد في مواجهة نقاط الجيش الوطني السوري والتركي.
أمام أنقرة امتحان مكرر، لكن بمعطيات مختلفة وظروف متغيرة، وهي تحتاج توافق الأطراف الفاعلة؛ لتتمكن من شن عمليتها، وهو تحدٍّ ستخرج أنقرة من غماره أقوى وأكثر وضوحًا في سياستها تجاه سورية والأطراف الأخرى فيه.