يعيش لبنان اليوم أزمة سياسية واقتصادية خانقة وصلت به حدَّ الانهيار التام مع تسارع حالة الفقدان للمواد الغذائية والطبية بالتوازي مع انخفاض سعر الصرف الليرة اللبنانية إلى مستويات قياسية أدت إلى حالة إغلاق اقتصادي مشابه لحالة الإغلاق السياسي بين الفرقاء اللبنانيين، التي دفعت بالحريري مؤخرًا للاعتذار عن تشكيل الحكومة في أجواء مشحونة سياسيًا عنوانها كيل الاتهامات وتحميل مسؤولية الأزمات بين التيارات السياسية.
وفي خضم كل هذه الأزمات نجد أن العلاقة بين لبنان وسورية محكومة بحتمية التأثير والتأثر بسبب خصائص الجغرافية السياسية لكلا البلدين وتداعيات ذلك على ملفات الأوضاع الداخلية وانعكاساتها فيما بينهما.
وحول ذلك تُعقِّد المشهد اللبناني الداخلي ملفات عديدة ربما لا تكون بذات الأهمية مقارنةً بتلك الملفات التي تخصُّ الشأن اللبناني بمفرده بقدر ما تشكل أهمية مشتركة بين لبنان وسورية سياسيًا واقتصاديًا.
وعلى رأس تلك الملفات ملف اللاجئين السوريين، حيث يحتل لبنان المرتبة الثانية في استقبال اللاجئين السوريين عقب تركيا، ويتمثل صراع التيارات اللبنانية بين فريق عون وحزب الله وباقي التيارات حول تحميل اللاجئين السوريين جزءًا من الأزمة الاقتصادية، ويطالب فريق عون وحزب الله بعودة السوريين مرارًا لما أسموه بالمناطق الآمنة، التي يعدُّها الفريق الآخر بقيادة الحريري عودة إلى حياة القهر، وأن السوريين ليسوا مجبرين على العودة للنظام السوري، ولا بد من التعامل بخصوص ذلك مع الأمم المتحدة فقط كملف إنساني بحت وفقًا للقوانيين الدولية، وهذا الخلاف ينطلق في جذوره من طبيعة التدويل الخاصة بمسألة اللاجئين وارتباطها بمساعي الحل السوري المتأزم بدوره أيضًا.
لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على تلغرام اضغط هنا
ومن جانب آخر بات ملف التهريب من أكثر الملفات إلحاحًا في طور العلاقة السورية اللبنانية، حيث تقدِّم الحكومة اللبنانية العديد من المنتجات والمواد الغذائية بسعر (مدعوم) للمواطنين اللبنانيين في ظل أزمتها من بينها المحروقات والطحين وغيره.
وهذه المواد الأساسية مؤخرًا باتت غير متوفرة كما يجب بسبب تهريبها للأسواق السورية التي تعاني شحًا أكبر من جارتها اللبنانية، وترعى هذه العمليات مجموعات تابعة لحزب الله اللبناني وبدعم من النظام السوري، وتحقق لكلا الطرفين عوائد مالية ضخمة بسبب فرق السعر وزيادة الطلب.
أضف إلى ذلك الفضائح التي تتسبب بها منظومة الاتجار بالمخدرات التي تتم تحت أنظار كل من النظام السوري وحزب الله اللبناني إقليميًا ودوليًا حسب عدة تقارير صحفية دولية، وقد دفعت بعض الشحنات المهربة دولاً مثل السعودية تعليق وارداتها من لبنان، ممَّا يعني انتكاسة لخطوط التصدير والتجارة والمزيد من البطالة والفقر.
اقرأ أيضاً: إذاعة موالية تفصل الإعلامي محمد أنيس دياب والسبب!!
ومن جهة أخرى يعيش لبنان أزمة قضائية تتمثل بعدم قدرته على إتمام بعض التحقيقات المتعلقة بقضايا فساد حكومي، وتعدُّ تحقيقات تفجير مرفأ بيروت من أهم القضايا العالقة لحسابات سياسية يمثل فيها النظام السوري طرفًا غير مباشر عبر وسيطه حزب الله في الالتفاف على العقوبات الدولية من خلال استيراد شحنات الأمونيوم المستخدم للأغراض العسكرية، الذي تسبب بكارثة المرفأ.
كما تشهد الدوائر القضائية قضايا معلقة تمسُّ بعض الشخصيات السياسية المتورطة بسرقة أموال من مصرف لبنان، بالإضافة إلى انتهاج سياسات وعمليات مشبوهة بالقطع الأجنبي استفاد منها النظام السوري.
إن تعثر تشكيل حكومة الحريري مرتبط بتداعيات الخلاف السياسي، التي يعدُّ النظام السوري أحد خيوط اللعبة الخفية فيها، كما هي إيران والسعودية وفرنسا، وبما أن إيران ضحت بلبنان في سبيل إنعاش النظام السوري، فإن اللبنانيين اليوم هم ضحية أخرى لإجرامها على حساب رغبة لبنانية شعبية لتشكيل حكومة خبرات تنتشل لبنان من انهياره، يقابلها تعنت طائفي من حزب الله يعرقلها لتحقيق مصالحه.