في خطوة استراتيجية لافتة، قررت الولايات المتحدة تزويد ميليشيا قسد بأنظمة الدفاع الجوي “أفنجر”، مما يضيف بُعدًا جديدًا إلى الصراع المعقد في شمالي سوريا.
وهذه الخطوة تأتي في وقت يتزايد فيه التهديد الجوي، خاصة مع الاستخدام المتزايد للطائرات من دون طيار من قبل الجماعات المسلحة والميليشيات الموالية لإيران، والتي استهدفت مرارًا القواعد الأميركية في سوريا.
نظام “أفنجر”: قوة دفاعية متعددة المهام
نظام “أفنجر” هو نظام دفاع جوي متنقل مصمم لاعتراض الطائرات على ارتفاعات منخفضة، وهو مثبت على مركبات هامفي (HMMWV) مما يسمح له بالتحرك بسهولة عبر التضاريس الوعرة. يتألف النظام من منصتين لإطلاق صواريخ FIM-92 ستينغر الموجهة بالأشعة تحت الحمراء، كل منصة قادرة على حمل أربعة صواريخ، مع مدفع رشاش عيار 0.50 M3P لتوفير دفاع ثانوي ضد التهديدات الجوية والبرية.
اقرأ ايضاً: “اعتصام الكرامة” يدعو لتشكيل هيئة عليا
منذ دخوله الخدمة، أثبت “أفنجر” فعاليته في العديد من النزاعات، بدءًا من حرب الخليج عام 1991، حيث شكل جزءًا من مظلة الدفاع الجوي لحماية القوات الأميركية وقوات التحالف، مرورًا بحرب العراق، وصولًا إلى استخدامه في أفغانستان لمواجهة التهديد المتزايد للطائرات من دون طيار.
التوقيت الاستراتيجي للقرار الأميركي
يأتي قرار تزويد “قوات سوريا الديمقراطية” بأنظمة “أفنجر” في وقت تتصاعد فيه الهجمات على القواعد الأميركية في سوريا، مما يشير إلى رغبة الولايات المتحدة في تعزيز دفاعات حلفائها على الأرض. كما يتزامن القرار مع تكثيف تركيا لعملياتها العسكرية في شمال سوريا، حيث تعتبر أنقرة “قوات سوريا الديمقراطية” امتدادًا لحزب العمال الكردستاني (PKK) المصنف كمنظمة إرهابية.
عبر هذه الخطوة، تسعى الولايات المتحدة لتحقيق أهداف مزدوجة: أولاً، تعزيز قدرات “قوات سوريا الديمقراطية” في الدفاع عن مناطقها ضد التهديدات الجوية، وثانيًا، محاولة استقرار الوضع الأمني في المنطقة دون الحاجة إلى تدخل أميركي مباشر.
التداعيات الجيوسياسية: بين الاستقرار والتصعيد
بينما يعزز هذا التطور القدرات الدفاعية لـ”قسد”، إلا أنه يفتح الباب أمام تداعيات جيوسياسية معقدة. من المحتمل أن ترى تركيا في هذا الدعم الأميركي استفزازًا مباشرًا، مما قد يزيد من حدة التوترات بين أنقرة وواشنطن، خاصة في ظل الخلافات القائمة حول قضايا أخرى مثل شراء تركيا لمنظومة S-400 الروسية.
من جهة أخرى، يرى بعض الخبراء أن تعزيز قدرات “قسد” قد يسهم في تحقيق استقرار نسبي في المنطقة، ما قد يقلل من الحاجة إلى تدخلات أميركية مستمرة. غير أن هذا الاستقرار المحتمل يأتي مع مخاطر، إذ قد تشجع القدرات الدفاعية المتقدمة “قسد” على اتخاذ خطوات تُعتبر تهديدًا للأمن القومي التركي، أو قد تفسرها دمشق وحلفاؤها كإشارة إلى نية الولايات المتحدة للبقاء طويلًا في المنطقة، مما قد يؤدي إلى تصعيد المواجهات.
في منطقة تعج بالتوترات والتحالفات الهشة، يمثل إدخال نظام “أفنجر” فصلًا جديدًا من التعقيد في النزاع السوري، حيث ستحدد الأشهر القادمة ما إذا كانت هذه الخطوة ستسهم في استقرار شمالي سوريا أو ستؤدي إلى مزيد من التصعيد.