الاعفاءات الأمريكية وفرصة الخروج من النفق المظلم

محمد أحمد الحربلية

الاعفاءات الأمريكية، الرخصة 24
42

أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية، عبر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC)، الرخصة العامة رقم 24، والتي تتضمن مجموعة من الإعفاءات عن المعاملات الجارية مع المؤسسات الحكومية السورية. وتم تحديد مدة هذه الإعفاءات بستة أشهر، حيث تنتهي في 7 تموز 2025.

شملت تلك الإعفاءات جميع المعاملات التي بدأ تنفيذها مع المؤسسات الحكومية في سوريا بعد 8 كانون الأول 2024، كما شملت عمليات بيع الطاقة وتوريدها وتخزينها والتبرع بها إلى سوريا، مثل النفط والغاز الطبيعي والكهرباء.

تتيح الرخصة أيضًا إمكانية التحويلات المالية الشخصية غير التجارية إلى سوريا دون سقف محدد، بما في ذلك عبر المصرف المركزي السوري.

استثنت الاعفاءات الأمريكية جميع الممتلكات المحجوبة بموجب قوانين العقوبات الأمريكية، مثل قانون قيصر، وأي معاملات مع الحكومة الروسية أو الإيرانية، بما في ذلك البضائع والخدمات. ومنعت التعامل مع الجهات العسكرية أو الاستخباراتية السورية أو الأشخاص العاملين لصالحها، كما منعت أيضًا تصدير النفط أو المنتجات النفطية السورية إلى الولايات المتحدة، أو إجراء التحويلات المالية للأشخاص المدرجين على قوائم العقوبات.

تهدف تلك الاستثناءات إلى تسهيل بعض الأنشطة الاقتصادية والإنسانية وتقديم الخدمات الأساسية، مع الالتزام الصارم باللوائح الأمريكية.

وهذا يعني أن العقوبات ما زالت قائمة ضد الحكومة السورية الحالية، حيث تقوم الولايات المتحدة بإجراء عملية تقييم لتوجهات السلطات السورية الجديدة، بما يشمل حماية الأقليات وحقوق المرأة.

تاريخ العقوبات الأمريكية على سوريا:

دخلت سوريا في نفق العقوبات الأمريكية منذ عام 1979، حيث تم إدراج سوريا على قوائم الدول الراعية للإرهاب بسبب تدخلات نظام حافظ الأسد في لبنان. وقد نجم عن ذلك حظر الصادرات والمبيعات الدفاعية، وإخضاع المعاملات المالية المتعلقة بالحكومة السورية إلى رقابة شديدة من المصارف الأمريكية.

ثم أصدرت الولايات المتحدة عام 2003 قانون محاسبة سوريا بسبب دعم نظام بشار الأسد للإرهاب، والضغط على الجيش السوري للخروج من لبنان، ووقف الأنشطة غير المشروعة للنظام السوري في العراق.

أدت العقوبات المفروضة بموجب هذا القانون إلى فرض قيود إضافية على عملية الاستيراد والتصدير، ومنع الشركات الأمريكية من العمل والاستثمار في سوريا.

اقرأ ايضاً: خطاب التحريض في سوريا: منبر الجريمة وشاهد العدالة المنتظرة

وفي عام 2006، أصدرت الإدارة الأمريكية قيودًا على صادرات بعض المواد، مثل التقنيات الطبية، ومنعت المصارف الأمريكية من التعامل مع المصرف التجاري السوري.

ومع انطلاق الثورة السورية عام 2011، واتباع النظام البائد سياسة القمع الوحشي بحق الشعب، أضافت الولايات المتحدة حظرًا على القطاع النفطي في البلاد، وتجميد الأصول المالية للنظام، وفرض عقوبات على عدد من الشخصيات المرتبطة بالنظام، وحظر تصدير السلع والخدمات الأمريكية إلى سوريا.

بيد أن العقوبات الأمريكية انتقلت إلى مرحلة جديدة أوسع نطاقًا بموجب قانون قيصر لعام 2019، والذي استهدف قطاعات الطاقة والمصارف، وفرض قيودًا صارمة على التعاملات المالية، ومنع دعم المشاريع المتعلقة بإعادة الإعمار لجميع الشركات والمنظمات التي تتعامل مع النظام السوري، فضلاً عن فرض عقوبات وتجميد أصول الشخصيات والكيانات الداعمة لنظام الأسد.

الرخصة 22:

ليست الرخصة الأولى التي أصدرتها وزارة الخزانة الأمريكية؛ فقد سبق أن أصدرت بتاريخ 5 حزيران 2024 الرخصة 22، والتي استثنت بموجبها من نطاق العقوبات المفروضة على سوريا بعض المشاريع التي تهدف إلى التعافي المبكر، وتقديم المساعدات الإنسانية، ودعم المنظمات غير الحكومية. وتشمل هذه المشاريع الرعاية الصحية، مثل ترميم المرافق الصحية، وتوزيع المعدات واللوازم الطبية، ومشاريع الدعم التعليمي، بما في ذلك إعادة تأهيل المدارس، ومشاريع الخدمات الزراعية، مثل إنشاء المطاحن والمخابز، وتوفير الخدمات الصحية البيطرية، والتدريب الزراعي، ومشاريع المساعدة في مجال المأوى والاستيطان، بما في ذلك تأهيل شبكات المياه والصرف الصحي.

لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على واتساب اضغط هنا

كما حددت الرخصة 22 بعض المناطق السورية المعفاة من العقوبات الأمريكية في شمال شرق سوريا، وبعض المناطق في شمال حلب. ورغم انتهاء نفاذ قانون قيصر في حزيران 2024، إلا أنه جرى تمديده حتى عام 2029.

الطبيعة القانونية للعقوبات الأمريكية:

الأصل أن مجلس الأمن الدولي، بموجب ميثاق الأمم المتحدة، هو الجهة الوحيدة المخولة نيابة عن المجتمع الدولي اتخاذ تدابير فرض العقوبات. أما ما تفرضه بعض الدول من عقوبات فهي عقوبات أحادية لا أساس لها في القانون الدولي. وفي هذا السياق، فقد أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في بعض قراراتها، منها القرار 200/68/2013، أنه لا يجوز لأي دولة استخدام تدابير اقتصادية أو سياسية انفرادية، كما أنها تدين مواصلة بعض الدول تطبيق تلك التدابير.

لاسيما أنه مع سقوط النظام السوري، حيث تسقط معه جميع الذرائع والأسباب التي فُرِضت من أجلها تلك العقوبات.

أثر العقوبات على سوريا:

خلال السنوات السابقة، حذرت العديد من المنظمات الدولية والحقوقية من أثر العقوبات وانعكاسها سلبًا على الشعب السوري. وبالفعل، فقد اتضح بعد سقوط النظام حجم الكارثة الإنسانية التي يعيشها السوريون في مناطق سيطرة النظام، حيث تنعدم أدنى مقومات الحياة بسبب السياسة التي اتبعها النظام البائد في إفقار الشعب، ورهن مقدرات البلاد لروسيا وإيران. بينما جاءت تلك العقوبات لتزيد من حجم تلك المأساة الإنسانية. وبالمقابل، لم يكن لتلك العقوبات أي تأثير سلبي على حياة الترف والبذخ لعائلة الأسد وأعوانه.

كيف يمكن الاستفادة من الإعفاءات:

لا شك أن تلك الاعفاءات الممنوحة تمثل فرصة لكسر حالة الجمود الاقتصادي التي تسيطر على البلاد، مما يفرض على السلطة الحكومية اتخاذ خطوات سريعة لتحسين مستوى المعيشة، وتأمين السكن الملائم، وتوفير الخدمات الأساسية، وتأهيل البنى التحتية، وإزالة أنقاض الأبنية المدمرة. وهو ما يشجع فعليًا على عودة اللاجئين والنازحين. ويمكن في هذا السياق الاعتماد على شركات التطوير العقاري ودورها في تنفيذ تلك العمليات.

تتطلب هذه المرحلة أيضًا تشجيع الاستثمارات في كافة القطاعات، وتهيئة البيئة الملائمة لاستقطاب رؤوس الأموال وتنفيذ المشاريع الخدمية، وتشجيع الصناعيين على افتتاح منشآتهم، بما في ذلك تقديم الإعفاءات الضريبية اللازمة، وتزويدهم بموارد الطاقة بعد أن صار استيرادها متاحًا، وهو ما يؤدي إلى إيجاد المزيد من فرص العمل وتحسين مستوى الدخل والانتعاش الاقتصادي في البلاد ودفع عجلة التنمية.

ويبقى التحدي الأبرز الذي يواجه السوريين يتمثل في القدرة على إنجاح المرحلة الانتقالية، مما يأذن بإلغاء كافة العقوبات الدولية التي تعيق عملية النهوض والبناء، والخروج من ذلك النفق المظلم.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط