انتهت أمس رسمياً الجولة الأولى من الانتخابات التركية، بتقدم كبير للتحالف الحاكم في البلاد، وخيبة أمل كبيرة للمعارضة التي تمثلها الطاولة السداسية بالإضافة لحزب الشعوب الديمقراطي (6+1)، حيث كانت خسارتها للبرلمان مفاجئة جداً، إذ لم تستطع الحصول على الأغلبية البرلمانية التي تمكنها من تحقيق أهدافها، والمتمثلة بشكل رئيسي في بندين: الأول هو إعادة البلاد إلى النظام البرلماني، والثاني، هو منح ميرال أكشنار رئاسة الوزراء كمكافأة لها على دخول تحالف السداسية.
أولاً: الانتخابات البرلمانية
استطاعت الأحزاب المحافظة (المستقبل – دوا – السعادة) المنضمّة لتحالف الأمة المعارض تحقيق مكاسب سهلة، أعطتها بداية قوية في البرلمان بحصولها على 36 مقعد من مقاعد الحزب الجمهوري البالغة 169 مقابل تحالفها معه، دون أن يظهر أثر هذه الأحزاب كثيراً في التصويت للرئاسة، ففي أحسن الأحوال منحت هذه الأحزاب 4% إضافية عما كان سيحققه كليجدار أوغلو بدونها في انتخابات الرئاسة، ولكنها حصلت على ما نسبته 6% من البرلمان، دون الدخول في حسابات صعبة وتوازنات الدوائر الانتخابية والمنافسة ضمن كل ولاية على حدى، وهذا ما أثار حفيظة مؤيدي حزب الشعب الجمهوري، الذين شعروا أنهم قدموا تنازلات للمحافظين بدون مكاسب.
بشكل عام جميع الأحزاب القديمة خسرت في نسبة مقاعدها البرلمانية عن الانتخابات الماضية، ولم يستطيع أي حزب أن يحصل على أي مقعد إضافي عن المقاعد التي استحوذ عليها سابقاً، وإنما على العكس الجميع خسر حتى من رصيده القديم، باستثناء حزب الشعب الجمهوري الذي كسب مقاعد إضافية ولكن منحها للأحزاب المتحالفة معه، مضافاً إليها عدد من مقاعده، ليصبح البرلمان كالتالي:
- 36 مقعد للأحزاب المحافظة في تحالف الأمة (المستقبل – ديفا – السعادة) (لأول مرة) من النسبة التي حققها الحزب الجمهوري وهي 25.3%
- 5 مقاعد لحزب الرفاه الجديد (لأول مرة)
- 4 مقاعد لحزب العمال (لأول مرة)
- 43 مقعد للحزب الجيد، بزيادة مقعد واحد عن الانتخابات الماضية مع تراجع النسبة التي يمثلها سابقاً في البرلمان من 10% إلى 9.7
- 50 مقعد لحزب الحركة القومية، بزيادة مقعد واحد عن الانتخابات الماضية مع تراجع النسبة التي يمثلها سابقاً في البرلمان من 11.1 إلى 10.1
- 268 مقعد للعدالة والتنمية بخسارة 28 مقعد عن الانتخابات الماضية وتراجع النسبة من 42.6% إلى 35.6%
- 61 مقعد لحزب الشعوب الديمقراطي بخسارة 6 مقاعد عن الانتخابات الماضية وتراجع النسبة من 11.7% إلى 8.8%
- 133 مقعد لحزب الشعب الجمهوري بخسارة 13 مقعد عن الانتخابات الماضية، رغم أن الحزب حقق 169 مقعد، وبزيادة قدرها 23 مقعد عن الانتخابات الماضية وحقق نسبة 25.3% بزيادة عن النسبة السابقة التي كانت 22.6، إلا أن حصول الأحزاب المحافظة على 36 مقعد جعل الحزب يبدو متراجعاً وخاسراً في عيون أنصاره.
بشكل عام حصد تحالف الجمهور 321 مقعد، وتحالف الأمة 213 مقعد، (والشعوب 61 والعمال 4 تحت مسمى تحالف العمل والحرية) ، ولكن مع احتمالية تغير التحالفات في البرلمان، فإننا من الممكن أن نعيد ترتيب المقاعد بالشكل التالي:
- 97 مقعد للقوميين .. الجيد والحركة القومية وحزب العمال
- 309 للمحافظين (العدالة والمستقبل وديفا والسعادة والرفاه الجديد)
- 194 للشعب الجمهوري مع الشعوب الديمقراطي
طبعاً الاحتمالات الأكثر ترجيحاً حالياً هي انضمام حزب العمال لتحالف الجمهور ليصبح 326 مقعد، وانضمام الشعوب لتحالف الأمة ليصبح 274 مقعد.
ثانياً: الانتخابات الرئاسية
في الانتخابات الرئاسية لم يتمكن أي مرشح من بلوغ عتبة ال 50%+1 وبالتالي ستنتقل الانتخابات الرئاسية إلى جولة ثانية، ولكن استطاع مرشح الحزب الحاكم (رجب طيب أردوغان) إحراز تقدّم كبير بحصوله في النهاية على 49.54 على بعد نصف بالمئة من تحقيق الفوز، بينما حصل مرشح المعارضة (كمال كليجدار أوغلو) على 44.9 على بعد 5% من تحقيق الفوز، وحصل مرشح حزب الظفر سنان أوغان على 5.17% من الأصوات.
ثالثاً: الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية
تبدو الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية أكثر سهولة بالنسبة للتحالف الحاكم، فأردوغان يحتاج فقط 350 ألف صوت ليحقق الفوز على منافسه، ويحظى بولاية جديدة في الرئاسة، أمّا المعارضة فأمامها مهمة صعبة جداً، خاصة في ظل الشعور بالهزيمة البرلمانية وفقدان الثقة بسياسة كليجدار أوغلو الذي أوصل المحافظين للبرلمان دون أن يكسب أي فائدة حقيقية منهم، كما يرى أنصاره، فيجب أن تحصل المعارضة على مليون و700 ألف صوت إضافي إذا أرادوا الفوز، هذا ما يتضح سريعاً بالنظر لسياق الانتخابات الحالية، … ولكن هناك عدة سيناريوهات محتملة في الجولة الثانية إذا ما نظرنا إليها من زاوية أكثر عموماً، هذه السيناريوهات تجعل المنافسة محتدمة ومفتوحة وصعبة على الطرفين، وتحتمل العديد من المفاجآت.
رابعاً: سيناريوهات الجولة الثانية
1- فوز أردوغان بسهولة: هذا السيناريو يفترض أن يحصل أردوغان على نسبة جيدة تفوق النصف بالمئة التي يحتاجها من الأصوات التي مُنحت لأوغان باعتباره قومياً يمينياً (حزب الظفر) ولا يناسبه تحالف المعارضة مع حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، ولن ينضم إليهم.
2- احتدام المنافسة حتى اللحظات الأخيرة: وذلك بانضمام محرم إينجه لتحالف الأمة، وأوغان لتحالف الجمهور، ذلك أن نسبة أوغان الحقيقية لا تتجاوز 2.2% (النسبة التي صوتت لحزبه في الانتخابات البرلمانية)، والكثير من المحلّلين رأوا أن انسحاب (إينجه) منحه هذه النسبة المرتفعة، إذ تقسّمت أصوات إينجه بينه وبين كليجدار أوغلو.
3- فوز كليجدار بحصوله على تأييد إينجه وأوغان معاً: وبالتالي سيحصل على ما يحتاجه من أصوات ليصل إلى التفوق على أردوغان.
4- احتدام المنافسة حتى اللحظات الأخيرة مع احتمالية أكبر لفوز أردوغان: بانضمام إينجه لتحالف الجمهور وأوغان لتحالف الأمة، وذلك على خلفية إساءة كليجدار لمحرم إينجه، وبالتالي سيكون أردوغان أقرب للفوز، لأن أصوات إينجه كانت مقسمة كما ذكرنا بين أوغان وكليجدار.
5- خسارة المعارضة بمجرد تخلي حزب الشعوب عنها: لقد منح مصوتي حزب الشعوب حوالي 10% من الأصوات لكليجدار، وإذا امتنعت هذه الأصوات عن دعم كليجدار بسبب تحالفه مع أوغان مثلاً، ولم تقم بالتصويت، ستتعرض المعارضة للهزيمة
6- معركة الأصوات الجديدة: هذه المنافسة ستكون على حوالي 9 ملايين ناخب لم يقوموا بالتصويت في الجولة الأولى، ومليون ناخب لم تحتسب أصواتهم، وهذا يعني أننا امام 10 ملايين ناخب جديد، إذا شارك نصفهم في الانتخابات فستكون المنافسة مفتوحة من جديد بدون توقعات مسبقة.
7- سيناريو التخلي عن الرئاسة: هذا السيناريو يفترض أن هناك عدد لا بأس به صوتوا لأردوغان في الرئاسة، وللمعارضة في البرلمان وذلك لخلق التوازن في الدولة وعدم السماح لأي طرف من الاستئثار بالسلطة الكاملة لوحده، ومع تفوق تحالف الجمهور في البرلمان، ربما سيختار هؤلاء الناخبين كليجدار أوغلو للرئاسة من أجل الوصول للتوازن، وعدم السماح للتحالف الحاكم بأخذ البلاد لأي مكان يريده دون مراجعة أو معارضة، وهذه ربما تكون دعاية المعارضة في الجولة الثانية، وقد تستطيع اقناع عدد كبير من الناخبين بها.
طبعاً هذه أبرز السيناريوهات المتوقعة، والتي تُظهر حجم التعقيد المحتمل في الجولة الثانية، وعدم سهولتها، وضرورة أن تؤخذ بجدّية من كل الأطراف كانتخابات جديدة كلّياً يحتاجون فيها حشد كل صوت ممكن من أجل أحراز التفوق.