الانتخابات السّوريّة وترسيخ التّقسيم

علاء العلي

0 1٬224

علاء العلي

يدرك السّوريّون حقيقة انتخابات الأسد الرئاسية القادمة، لكنّ مؤشراتها الميدانيّة هذه المرّة مختلفة، فالمرشّح المدعوم روسيًّا وإيرانيًّا يلقى عدم انزعاج من الجانب الإسرائيلي الّذي فضحته صحفه الرّسميّة وقدّمته حاميًا لحدودها جديرًا بالثّقة مع بعض تحفّظاتها على بعض النّقاط.

استحقاق يمرّ على جغرافية مقسّمة فعليًّا إلى مناطق انتشار وتموضع دوليّة بقيادة خلفيّة عن طريق مجموعات مسيطرة على هذه المناطق.

فمن شرق الفرات حيث (قسد) التي تسيطر على ثروات البلد النفطيّة والغذائيّة الّتي تعمل تحت تعليمات المشغّل الأمريكيّ وصولاً إلى الشّمال السّوريّ حيث قوّات الجيش الوطنيّ وفصائل المعارضة السّوريّة التي انضوت تحت المظلّة التّركية وتقاطعت مصالحها معها، وصولاً إلى مناطق دمشق و حمص، حيث تعيث ميلشيات طائفيّة إيرانيّة ولبنانيّة وعراقيّة إفسادًا وتغييرًا ديمغرافيًا، فضلاً عن مصادرة القرار الحكوميّ والتّنافس مع الشّريك الرّوسيّ ضمن هذه البقعة، وتسيير قرارات وفق ما يوائم مصالحهما، بين هذه المكونات تتحطم الرؤى الموحّدة، سيغيب في مناطق المعارضة أيّ شكل لهذه الانتخابات، فعودة رأس النّظام للسّلطة لن يحقّق أيّ إنجاز نحو الحلحلة السّوريّة الشّاملة أو الجزئيّة.

لا يبدو أن الدّول الّلاعبة في الملفّ السّوريّ منزعجة بشكل حقيقيّ من هذه المسرحيّة، فبقاء رأس النّظام يعني بالمحصّلة الحفاظ على المكتسبات الجغرافيّة والأمنيّة وحتى الاقتصادية.

 

لا يمكن من وجهة النّظر التّركية تحقيق انسحابات للقطعات العسكريّة المنتشرة في الشّمال المحرّر وما يزال التّهديد الأمنيّ يمنع الملايين من المدنيّين السّوريّين من العودة لمناطقهم بشكل طوعيّ، وبذلك تحافظ تركيا على استدامة طويلة الأمد فوق الجغرافية المحدّدة باتفاق 5 آذار مع روسيا، وحده إزالة رأس النظام ستكون مفتاح حلّ شامل تستطيع من خلاله إعادة النّازحين إلى أراضيها نحو الدّاخل، فالمعادلة هنا محسومة على ما يبدو من الجانب التّركي، وانسلاخ الشّمال بات أمرًا واقعًا فرضته معطيات الأمن ومعادلاته على المستوى القومي التركي.

اقرأ ايضاً: قضية القدس بعد 73 عامًا على الاحتلال الصهيوني

شرق الفرات المسيطَر عليه من (قسد)، التي تقدّم نفسها ضامنًا مؤثّرًا للمكوّن الكرديّ المناهض لرأس النّظام، تسعى بكلّ جهدها لتنظيف مناطقها من بقايا مؤسّسات النّظام كما حدث في القامشلي، وربما يتوسّع لاحقًا ليشمل الحسكة ودير الزور، بقاء رأس النّظام لن يحقّق عودة سلطات دمشق نحو هذه السّيطرات الجغرافيّة الشّاسعة، أقصى ما يمكن تفعيله هو شراكة اقتصادية ضمن مستويات منخفضة ومحدودة مع النّظام تشمل النفط والغاز والقمح، لن تتعدّى ذلك، فقيادة التّحالف الدّولي لا تعدُّ النّظام جزءًا من إستراتيجيّتها في المنطقة الشّرقية بما يخص التموضعات الإيرانية وبعض التّهديدات الأمنيّة التي تبرّر سبب وجودها بها دومًا.

 

وحدها مناطق النّظام السّوري التي تتحكم بها عدّة قوى متعارضة في المصالح، روسيا من جهة وإيران وميلشياتها الطّائفيّة من جهة أخرى تتشبّث برأس النّظام لتحقيق مصلحة اقتصادية ومناطق نفوذ أحيانًا أخرى، الحاجة لواجهة حكومية تمرّر المخطّطات المرسومة أمر ضروريّ تفرضه طبيعة الصّراع القانوني الّذي تتبجّح به روسيا وإيران دومًا، فالانتخابات هنا تقرأ على محمل الخطوة البروتوكولية الحافظة لعقود الدولتين ضمن مناطق النّفوذ هذه.

لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على تلغرام اضغط هنا

غياب رأس النّظام عن الحكم سيخلق واقعًا سياسيًّا يترك صداه بشكل متسارع على السّاحة العسكريّة والأمنيّة والسّياسيّة بكل تأكيد، وسيبدّد جميع التّبريرات التي تقدّمها الدّول المتدخّلة في الشّأن السّوري، وسيضطرّها للانصياع لقرارات مجلس الأمن ذات الصّلة بالشّأن السّوري، الذي يعني بمحصّلته عودة المهجّرين واستعادة وحدة الجغرافيا السّورية من جديد، وهذا ما يبدو بعيد المنال حتى الّلحظة، فالدّخول بهكذا خطوة سيؤدّي لخسارة عقود إعادة الإعمار فضلاً عن الخسارة الفادحة في الاستثمارات الفصائليّة الشّريكة في تنفيذ أهداف كل طرف، وذوبانها في بوتقة الدّولة الواحدة.

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط