بات من الصعب التكهن بما قد تنزلق له إدارة بايدن في سياستها تجاه منطقة الشرق الأوسط، فبعد أن استعد الجميع للعودة عن جنون ترامب في الكثير من الملفات، فاجأ بايدن المنطقة بارتداده السريع والعميق في تعامله مع ملفاتها.
لقد باتت عملية صنع القرار الأمريكي صندوقًا أسود يصعب فيه فهم القوى والعوامل السياسية المؤثرة في صناعة القرار الخارجي لمنطقتنا، وبات لزامًا علينا لفهم الدور الأمريكي أن نفسر هذه السياسة في ضوء الفعل ورد الفعل المبني على مبررات السياسة الجديدة في ملفات الشرق الأوسط.
نموذج التعامل مع الملف الإيراني وللوهلة الأولى قد نفهم أن انبطاحًا أمريكيًا على وشك الحصول بالعودة للاتفاق النووي مع إيران ورفع الدعم الأمريكي عن الدول العربية المنخرطة في حرب اليمن، في حين زيادة عدد قوات الناتو في العراق يجري تقيمها الآن مع حديث عن رغبة أمريكية لبناء قواعد جديدة في السعودية، وتصريحات متكررة بضمان أمن وسلامة دول الخليج.
لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على تلغرام بالضغط هنا
التفاحة الأمريكية التي قسمها بايدن هي الوضع الطبيعي قبل سياسة سلفه بفارق أن ترامب خدعته طهران بلعبة العقوبات وتوسعت في الشرق الأوسط على اعتباره رد فعل لطوق عقوباته الذي تظاهرت إيران التضرر منه وتوسعت إقليميًا.
اليوم الديمقراطيون على وشك العودة للاتفاق إلا أن طهران ستحاسب على كل حركاتها ومشاريعها ولغة العقوبات ليست اللغة الرسمية الوحيدة في التعامل معها وما ستؤول إليه الأمور هو ما سيكشفه الاتفاق الجديد وموقف إسرائيل طبعًا.
اقرأ أيضاً: آستانة 15.. هل تلبي تطلعات الشعب السوري أم تخدم الأسد
وليس ببعيد عن هذه السياسة التعامل الأمريكي مع كل من تركيا ومصر، فالأخيرة تلقت دفعة صواريخ أمريكية بالوقت الذي كانت القاهرة تطالب أمريكيًا باحترام حقوق الإنسان والإفراج عن المعتقلين السياسيين، وهو ما يؤكد الدور التقليدي الأمريكي بالدعم الأمني والعسكري لمصر مع تسجيل السياسة الخارجية نقاطاً وأوراق ضغط على الطاولة المصرية.
أما تركيا العضو الحليف فلا يزال مطالبًا، كما في عهد ترامب، بالتخلي عن صفقة إس400، لكن بايدن أضاف إليها إدانة إدارته الخجولة لجريمة ميلشيا حزب العمال الكردستاني، وأعلنت إدارته التزامها بأمن دول الناتو ضد التنظيمات الإرهابية في إشارة واضحة لتطمين تركيا.
اقرأ أيضاً: تطور جديد للموقف الروسي تجاه العملية الدستورية
شعرت معاوية هي ما تتسم به السياسة الأمريكية في ضوء ما يقوم به بايدن للآن مع الحلفاء و الأعداء، وجوهرها هو المصلحة الأمريكية حيث تُوجَد، انطلاقًا من مبدأ براغماتي يظهر القوة الأمريكية في أي منطقة وليبدأ بعدها الموقف الأمريكي بتسجيل حضوره بناء على مفرزات البيئة التنافسية للصراع أو التصادم بين الدول الحلفاء والدول المعادية، مما يفتح الباب واسعًا لسياسة الابتزاز و المساومة على الطرفين وهي سياسة غالبًا ما تناقض الواقع و التصريحات بأفعالها كما أحرقت سياسة أوباما دول الربيع العربي ومهدت الطريق لإيران مقابل مكاسب الاتفاق النووي و ضمانات قد لا تكون مكشوفة للآن فهل ستصدق مقولة “يفعلون عكس ما يقولون” على إدارة بايدن.