الكيان الصهيوني ومعادلة القوة في المنطقة

أحمد وديع العبسي

2٬258

أعادت حرب غزّة وعملية طوفان الأقصى (المفاهيم) إلى نصابها، وبيّنت بوضوح أهمية القوة في الدبلوماسية العالمية، وفي مفاهيم حقوق الإنسان وتقرير المصير والاعتراف الدولي … وغير ذلك.

فالممارسة السياسية تحتاج إلى دهاء وذكاء وقدرات على المناورة، كما تحتاج بنفس القدر على أظافر خشنة ومؤلمة، وقدرات على الصفع والتضحية، وفيما دون ذلك تبقى السياسة عبارة عن افكار وأمنيات، وتبقى قوة البطش عبارة عن تصرفات غوغائية تودي بصاحبها في النهاية.

ما أذكره ليس اكتشافاً، وإنما هو السياق الطبيعي الذي يعرفه معظم الناس، ولكن في غفلة من الزمن، أو على الأصح في غفلةٍ منّا تمّ إقناعنا أن الدبلوماسية والسياسية هي أن تنسجم مع السياق العالمي وترضخ له حتى يعطيك هذا السياق ما تريد، عن طريق مشاركتك باللعبة، كمكافأة على جهود التصفيق والمهادنة!

الحرب في غزّة أعادت توجيه الانظار إلى أهمية القوة الخشنة في سياق عالمي دأب على تعريف نفسه بأنه مساحة اللاعنف والحوار، وحاول إقناع الشعوب أن اللعبة الأساسية هي لعبة التفاوض والدبلوماسية، بينما نرى اليوم أن حركة مثل (حماس) قادرة على فرض شروطها تقريبا على هذا السياق بأجمعه عندما امتلكت القوة لإيذائه وتهديد مصالحه، وعدم قدرة واحدة من أعتى القوى العسكرية على انهاء وجودها رغم مرور حوالي 150 يوماً من الحرب المتواصلة …

اليوم تطرح سيناريوهات عديدة للحل، أغلبها لا يعجب حماس ولا يحقق طموحها، ولكنها سقف عالي جداً كانت تحلم به السلطة الفلسطينية مثلاً، والتي لم تستطع تحقيقه بالمفاوضات، وإنما بسبب حماس وحربها التي أوجعت الصهاينة فهرعوا يقدمون بعض التنازلات لأصحاب السلطة الوهمية لتكون بديلاً لحماس في غزة، وللأسف السلطة تنتظر هزيمة حماس لكي تحصل على تركتها، هذه التركة التي حققتها حماس بالقوة، ويمكن ان تحصل عليها السلطة بفضل ممارسة القوة من قبل حماس، والحمد لله لا يبدو أن هذا سيحصل، فخط المفاوضات الخالي من احتمالات المواجهة لن يحصل إلا على دوره كتابع ذليل، ولن يُقدم الصهاينة شيئاً ذا قيمة للسلطة فيما لو هُزمت حماس، وستذهب الوعود الحالية أدراج الرياح كما ذهبت وعود أوسلوا قبلها، وسيبقى الضعفاء عبارة عن جواسيس على انفسهم تحت مسمى التنسيق الأمني.

إن أهمية الكيان الصهيوني في المنطقة للعالم الغربي تجعله (كنز) لقوى المنطقة لو تعاملوا معه بمبدأ القوة، إلى حين قدرتهم على استئصاله، فمن الواضح أنه من الممكن استعمال الصهاينة كورقة ابتزاز لمطالب قادة المنطقة لو شاؤوا، أو لو لم يكونوا صهاينة، فيكفي أن تلوح بالقدرة على إيذاء هذا الكيان من أجل ان تحصل على ما تريد بدلاً من التحالف معه لنفس السبب!

أو يكفي أن تلوّح بدعمك للمقاومة الفلسطينية التي تؤذي هذا الكيان لكي تحصل على ما تريد، بدلاً من الخضوع لتهديدات الدول (الكبرى) فيما لو حاولت ذلك.

أوضحت الحرب أن تلك القوى تتألم اضعاف ما يمكن أن نشعر به من ألم، وأن دول المنطقة قادرة لو امتلكت موقف تنسيقي موحد تجاه الكيان الصهيوني على إيقاف الحرب وفرض هدنة طويلة الأمد، ولكن ما يجب أن نكون متأكدين منه أن الصهاينة هم من يحكم في غالبية تلك البلاد، لا عملاؤهم، لأن العميل يبحث عن المنفعة، والمنفعة تتطلب أن تكون قوياً، أما قادة المنطقة فهم يدافعون عن قضية، ويدافعون عن وجودهم الذي يتمثل بوجود الكيان الصهيوني، ويعرفون أن سقوطه سيعني سقوطهم.

لقد عرفت حماس هذه المعادلة جيداً، وعرفت انها أمام عدو لا يعطي الضعفاء، فأتقنت استخدام الإيذاء لإجباره على تحقيق ما ترغب به خطوة خطوة في سبيل بناء ممكناتها للوصول إلى تحرير فلسطين.

واستطاعت إيران الاستفادة أيضاً من هذه المعادلة عبر ترويجها الدائم أنها قادرة على إيذاء الصهاينة، فحصلت على كل التحالفات اللازمة التي تضمن نفوذها وهيمنتها على المنطقة، وخرجت من احتمالية توجيه ضربة لها لقدرتها على توجيه ضربة مؤلمة للصهاينة، وصارت الحليف المفضل للولايات المتحدة في الخليج، والحليف العدو للصهاينة في المنطقة، وبقيت جميع الدول العربية راضية بدور (السلطة الفلسطينية) تمارس التنسيق الأمني في الخفاء والعلن.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط