يسير النظام السوري في مسارٍ تفاوضي إقليمي واسع لتطبيع علاقاته مع دول الجوار في ظل عجزه المتفاقم في ملفاته الداخلية على مختلف الأصعدة وأبرزها الاقتصادي، وفي الحراك الدبلوماسي الذي يخوضه النظام السوري مع دول الجامعة العربية يصطدم النظام بمطالبات القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن وآلية الخطوة مقابل خطوة في كسر عزلته التي تقايضه بشكل أو بآخر على مفاتيح إمساكه بقرار “السلطة” وتطويع “الدولة” في خدمة النظام حيث جاء قرار عودته للجامعة العربية 8914 بمجمله في إطار الانسجام مع قرار مجلس الأمن.
يدرك النظام السوري أن آلية خطوة مقابل خطوة في تنفيذ القرار الأممي بمثابة إطلاق النار على قدميه وقد عرقل ويعرقل حتى الآن مساراً مشابهاً يقوده بيدرسن على طاولة (سورية-سورية) فما هي دواعي قبوله اليوم بمسار مماثل تقوده الجامعة العربية؟
وزير الخارجية المصري: عودة النظام للجامعة العربية لا تؤهله للتطبيع
لم يعلّق النظام السوري على بيان عودته للحاضنة العربية سوى بالترحيب وهذا ما يعني قبوله الضمني به، ويؤكد ذلك ما تبعه من دعوته لحضور قمة الرياض المقبلة في 19 أيار، كما أن الغارة الأردنية على الجنوب السوري المرتبطة بمكافحة المخدرات تمثل التطبيق الفعلي لمضمون وشروط العودة التي أكد وزير الخارجية المصري أنها بداية مسار وليست نهايته.
وفي ظل انشغال روسي في المستنقع الأوكراني وتسوية سعودية إيرانية غامضة يشكل القرار العربي طوق النجاة الأخير من ما يعانيه النظام السوري من تراجع حاد على الصعيد الاقتصادي وهو ممهور بموافقة أمريكية وتجاهل أوربي لا سيما بعد كارثة الزلزال، وما يهم النظام السوري في المرحلة الحالية هو التنفس اقتصادياً بأسرع ما يمكن ولا تُوفّر مفاوضات جنيف المتعثرة أصلاً برعاية بيدرسن حلولاً تكتيكية يمكن أن تسعف الوضع الاقتصادي الراهن بعكس ما قد تفرزه الطاولة العربية، كما أن المعارضة السورية ليس من صلاحيتها وإمكانياتها الخوض بالملف الاقتصادي (الخاضع لعقوبات) فهو ملف يتأثر بالمخرجات بينما يستطيع النظام السوري مناقشة التطبيع الاقتصادي كجهة سيادية بورقة مستقلة مع الدول العربية التي تلتقي أيضاً مصالحها معه في ذات السياق.
من جهة أخرى يشكل ملف اللاجئين السوريين محوراً مهماً في الاهتمام الدولي والعربي والنظام السوري وحلفاؤه يتعاملون به بمبدأ الابتزاز والتسييس، ومنطق القرار الأممي 2254 يعتبره حق للسوريين مكفولاً بالقانون الدولي من خلال عودة طوعية وآمنة إلا أن النظام السوري يريده بثمن وكلفة من خلال تدفق الأموال وبدء قاطرة إعادة الإعمار وأطراف العملية ماثلة في كل من اللاجئين السوريين في الأردن ولبنان والأموال الخليجية ويدرك النظام السوري الفارق الكبير في إمكانية مناورته في تطبيق هذه الخطوة تحت سقف الآلية العربية عن نظريتها الأممية وليس بعيداً عن ذلك ملف إيصال المساعدات الإنسانية ورغبة النظام السوري بإحكام السيطرة عليه.
لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على واتساب اضغط هنا
وعن المخدرات ومكافحة الإرهاب فهي لدى النظام السوري أدوات أكثر من كونها مشكلات ويتعامل بها كشعرة معاوية في تحقيق مصالحه وهي مرتبطة اليوم بكارتيلات عابرة للحدود تمثل صمام أمان لبقائه وبطاقة حمراء تجعل منه الحكم على الطاولة السورية كل ما يهمه إشهارها في وجه اللاعبين دون اكتراث لما بعدها.
ليس سهلاً على أي نظام سياسي ديكتاتوري أن يتنازل عن مكتسباته التي حازها بالقمع والاستبداد على طاولة المفاوضات إلا أن “قاعدة الفئران لا تقاوم الجبن” هي الآلية الوحيدة التي من الممكن أن تسوق النظام السوري إلى مصيدة القرار 2254 إن كان صاحب الطعم يرد ذلك فعلاً وهي عملية طويلة ومعقدة جوهرها فصل النظام عن الدولة دون الإضرار بمرتكزاتها ومقوماتها.
لايزال الحكم مبكراً على المارثون الذي انطلق بعودة النظام السوري للجامعة العربية ويتوقف على مدى جدية هذا النظام في تطبيقه وقبول اللجنة الوزارية المنبثقة عن قرار الجامعة العربية مسار ومستوى خطواته لا سيما وأن الولايات المتحدة شككت في جدواه وهو تحت مراقبتها رغم ما يعتريه من قصور وعوائق بدايتها تجاهل ذكر المعارضة السورية وخطوات “الحل السياسي ” الذي هو محور القرار الأممي وليس نهاية بإشكالية جغرافية تطبيقه المقتصرة على (كانتون الأسد).