التحديات والفرص أمام زيت الزيتون السوري في ظل المعايير العالمية والتطورات المحلية

مريم الابراهيم

زيت الزيتون السوري
577

تتعرض صناعة زيت الزيتون في سوريا لضغوط كبيرة نتيجة تحديات داخلية وخارجية، حيث تم استبعاد المنتج السوري من التصنيف الدولي لزيت الزيتون بسبب عدم توافقه مع المعايير العالمية، بحسب تقرير صادر عن المنظمة العالمية للزيوت. وفي خطوة تصحيحية، منحت الجهات المعنية سوريا مهلة حتى عام 2026 لتحسين جودة الإنتاج بما يتماشى مع المواصفات الدولية.
على الصعيد المحلي، تعاني هذه الصناعة من تدهور في معدلات الاستهلاك الفردي السنوي، إذ انخفضت حصة المواطن من 5-6 كيلوغرامات إلى 2-3 كيلوغرامات فقط، وذلك بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعصف بالبلاد. ويُعد زيت الزيتون السوري من أهم ركائز القطاع الزراعي، حيث يشكل مصدر دخل لآلاف العائلات، فضلاً عن كونه سلعة تصديرية استراتيجية تساهم في دعم الاقتصاد الوطني.

أما دولياً، فقد أثرت العقوبات الاقتصادية على قدرة الزيت السوري في النفاذ إلى الأسواق الخارجية، وخاصة أسواق دول الخليج وأوروبا التي كانت سابقاً من أبرز المستوردين. وتعزى هذه التحديات إلى مشكلات فنية تتعلق بالمواصفات القياسية التي يفرضها السوق العالمي، مما يضع سوريا أمام اختبار حقيقي لتطوير المنتج وضمان استمرارية حضوره في الأسواق الدولية.
تستمر الجهود المحلية في البحث عن حلول لتحسين الجودة وتعزيز التنافسية، وسط أمل بأن تسهم هذه الخطوات في إعادة الزيت السوري إلى موقعه الطبيعي ضمن التصنيفات الدولية.

وفي وقت سابق كشف رئيس قسم تكنولوجيا الأغذية في البحوث العلمية الزراعية، محمد الشهابي، خلال مؤتمر الأمن الغذائي والتنمية المستدامة في جامعة دمشق، عن خروج زيت الزيتون السوري من قائمة التصنيفات العالمية وفقًا لهيئة المواصفات العالمية والمجلس الدولي لزيت الزيتون.

لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على واتساب اضغط هنا

يعتمد التصنيف المحلي لزيت الزيتون السوري على نسبة الحموضة الحرة، ويُقسم إلى ثلاث درجات رئيسية: بكر ممتاز، بكر نوع أول، وبكر عادي. وأكد الشهابي أن هذه التصنيفات تتماشى إلى حد كبير مع المعايير العالمية المعتمدة في دستور الغذاء والمجلس الدولي لزيت الزيتون. ومع ذلك، يشترط كل تصنيف تحقيق خصائص فيزيائية، كيميائية، دقيقة لضمان الجودة المطلوبة.

ارتفاع التكاليف وتحديات الإنتاج
تواجه صناعة زيت الزيتون في سوريا تحديات متزايدة، أبرزها الارتفاع الكبير في تكاليف الإنتاج. وأشار أصحاب المعاصر إلى أن أجور عصر الزيتون لم تعد المشكلة الرئيسية مقارنة بارتفاع كلفة المواد الخام، خاصة سعر الزيتون نفسه. هذا الوضع يضع المزارعين أمام أعباء اقتصادية إضافية تهدد استدامة الإنتاج.

إلى جانب التحديات الاقتصادية، تُعاني المعاصر السورية من معوقات تقنية تؤثر على تحسين جودة المنتج بما يتماشى مع المعايير الدولية. ويتسبب نقص التدريب الفني وغياب الدعم التقني في الحد من قدرة المزارعين وأصحاب المعاصر على التكيف مع متطلبات التصنيف العالمي.

في مدينة إدلب، تحدث “صفوان طيارة”، مدير معصرة زيت الزيتون، عن سير العمل في المعصرة التي تشغّل طاقمًا مكونًا من أربعة عمال في الساحة، وعامل صحة، وفني خط، وعامل ميزان، إضافة إلى إداري ومحاسب، ضمن نظام ورديات كل 12 ساعة. أشار إلى أن أجرة عصر كيس زيتون بوزن 60 كيلوغرامًا لا تتجاوز نصف دولار، مما يزيد من حدة المنافسة بين المعاصر، خاصة مع اعتماد البعض على بيع البيرين مقابل العصر، حيث بلغ سعر الطن منه العام الماضي 70 دولارًا.

يقول طيارة: “الإنتاج هذا العام مشابه لعام 2018، ونحرص على ضمان الجودة عبر تحليل البروكسايت الذي يقيس نسب الأسيد والبروكاسيد والزيوت الغريبة”. وأضاف أن سعر زيت الزيتون البكر الممتاز في السوق المحلية وصل إلى 64 دولارًا للتنكة هذا العام.

معاناة المزارعين: تكاليف مرتفعة وغياب الدعم
يواجه مزارعو الزيتون في إدلب تحديات كبيرة. المزارع “أحمد الباز”، من ريف إدلب، تحدث عن معاناته قائلاً: “زراعة الزيتون مصدر رزقنا الرئيسي، لكنها أصبحت أصعب مع ارتفاع تكاليف العمالة والعصر، إلى جانب الضغوط المحلية والعقوبات الدولية التي أثرت على قدرتنا على التصدير”. وأكد أن الإنتاج الزيتوني الموسمي يُعد شريان الحياة للمزارعين الذين يعتمدون على مردوده طوال العام.

من جانبه، أشار “ناصر العلي”، صاحب أرض زيتون واسعة في إدلب المدينة، إلى مشكلات تقنية تواجههم في تحسين جودة الزيت، مثل معادلة الأحماض الدهنية، إزالة الشوائب، والترويـق، والتي تتطلب معدات مكلفة لا يمكن توفيرها بسهولة بسبب القيود الاقتصادية. وأكد العلي أن توسيع المساحات الزراعية يزيد من الاحتياجات، سواء في المواد الزراعية أو أجور العاملين، داعيًا إلى دعم حكومي وتقني لمساعدتهم على مواجهة هذه التحديات.

الحاجة “أمينة عبد الله”، مزارعة من بلدة معرة مصرين، قدمت صورة مؤثرة عن الصعوبات التي تواجهها: “كانت زراعة الزيتون هي مصدر رزقنا الوحيد، لكن مع ارتفاع التكاليف لم أعد قادرة على الاستمرار. زوجي متوفٍ وأبنائي خارج البلاد، مما اضطرني هذا العام لتضمين أرضي مقابل المال. هذه الأعباء تجعل الاستمرار شبه مستحيل بالنسبة لي”.

الثقة بالجودة والمواصفات العالمية
أكد المهندس تمام الحمود، المدير العام للزراعة، أن العديد من الدول تستورد زيت الزيتون السوري، بما في ذلك دول الخليج العربي وبعض الدول الأوروبية. وأوضح أن الزيت المُنتج يلتزم بالمواصفات العالمية، ويتم سحب عينات من الزيت بشكل دوري وتحليلها لضمان جودته ومطابقته للمعايير القياسية.

وأضاف الحمود أن صادرات زيت الزيتون في ازدياد مستمر، مما يجعله السلعة التصديرية الأولى لسوريا. وأكد أن انخفاض سعر الزيت هذا العام مقارنة بالعام الماضي، يعود إلى الإنتاج الكبير الذي ساهم في انخفاض الأسعار، مما يعود بالنفع على المزارعين والمستهلكين.

كما أوضح الحمود أنه لا تُفرض أي ضرائب على المزارعين أو أصحاب المعاصر، مشيرًا إلى أن تكاليف المعاصر تتمثل فقط في رسوم التسجيل التجارية والصناعية، وهي تكاليف رمزية لا تشكل عبئًا عليهم. كما أضاف أن الوزارة تعمل على توجيه القطاع الخاص لتكرير الزيوت ذات الجودة المنخفضة وإنتاج زيت الزيتون “البكر” الذي يحظى بطلب عالمي كبير.

وأشار الحمود إلى أن تصدير زيت الزيتون السوري يعتبر جزءًا من إرث تاريخي يمتد لعشرات السنين، حيث تربط علاقات وثيقة بين الشركات المستوردة عالميًا وسوريا، وهو ما يعكس الثقة المتبادلة بين الموردين والمستوردين.

ومن ضمن الخطط المستقبلية لتقليل تكاليف الإنتاج، أشار الحمود إلى أنه من المحتمل أن تعمل الجهات المعنية على استيراد المواد المستخدمة في الإنتاج من مصادر ذات جودة عالية وأسعار مناسبة، وتوزيعها مباشرة على المزارعين. هذا الإجراء من شأنه تقليل دور الوسطاء وتخفيض التكلفة.

كما تعمل الوزارة مع غرفة التجارة والشركات التجارية على البحث عن أسواق جديدة لتوسيع نطاق تصدير زيت الزيتون، وذلك من خلال تقديم ضمانات حكومية وتجارية تضمن حماية المنتج والمصدر. وأكد الحمود أن المعاصر مجهزة بأحدث خطوط الإنتاج العالمية، سواء من حيث الجودة أو الإنتاجية أو تكاليف التشغيل، حيث أن معظم هذه الخطوط ذات منشأ أوروبي مما يضمن جودة عالية للمنتج النهائي.

وعن أجور العصر تحدث الحمود عن أنها رمزية للغاية، وفي بعض الأحيان تكون مقتصرة على قيمة البيرين المستخرج من عملية العصر. كما أن بعض المعاصر تقدم خدماتها مجانًا كجزء من دعمها للمزارعين.

وأكد الحمود أن تعزيز صادرات زيت الزيتون السوري يعد أمرًا أساسيًا لأنه يعد مصدر الدخل الرئيسي لغالبية المزارعين. ويتم ذلك من خلال تعزيز الإرشاد الزراعي، وإدخال أصناف جديدة من الزيتون ذات إنتاجية وجودة عالية، وتحديث خطوط الإنتاج. كما أشار إلى أن قطاع الزيتون السوري لا يزال يحتفظ بمكانته في السوق العالمية بفضل كونه زيتًا بكرًا وعضويًا بنسبة عالية، حيث يتم تقليل استخدام الأسمدة الكيميائية والمبيدات الحشرية مقارنة بالدول المنتجة الأخرى، وأكد الحمود أنه تم إنشاء دائرة الزيتون لمتابعة ورصد الأمراض الفطرية والآفات الحشرية لرصد حجم الإصابة وموعد المكافحة.

اقرأ ايضاً: زيتون سورية يصاب بذبابة وانخفاض في أسعار الزيت للعام 2024

وفي ختام حديثه، شدد الحمود على أن التحدي الأكبر يتمثل في التزام المزارعين بتنفيذ عمليات المكافحة اللازمة للحصول على زيت زيتون بجودة عالية، وهو ما يسهم في القدرة على المنافسة في السوق العالمية.

تحسين مواصفات زيت الزيتون السوري وضمان الجودة

بدورها المديرية العامة لهيئة المواصفات والمقاييس العربية السورية أكدت على عدة عوامل تؤثر في تباين مواصفات زيت الزيتون السوري عن المعايير العالمية. من أبرز هذه العوامل الخصائص الطبيعية للأصناف المزروعة في سوريا، بالإضافة إلى تأثير المناخ والتربة، مما يؤدي إلى اختلافات في بعض المؤشرات التي تعتمدها المعايير الدولية. وأوضحت أن سوريا توقفت عن المشاركة في المحافل الدولية للمواصفات خلال فترة الأزمة، ما أدى إلى عدم تحديث بياناتها وفقًا للمعايير العالمية التي خضعت لتحديثات مؤخراً، كان آخرها في عام 2022، مع توقع صدور تحديث جديد لهذه المعايير في عام 2025. وبينت أن الهيئة تعمل حالياً على مراجعة وتحديث المواصفة السورية بما يتوافق مع المعايير العالمية، بالتوازي مع العودة التدريجية لسوريا في المشاركة بالمنظمات الدولية.

أوضحت أن المواصفة القياسية السورية الخاصة بزيت الزيتون تعد من الركائز الأساسية لضمان جودة المنتج السوري. وقد أُصدرت لأول مرة عام 1979، وشهدت تحديثات عدة، أبرزها في عامي 2000 و2016، بهدف مواكبة التطورات العالمية في هذا المجال. وأشارت إلى أن هذه المواصفة تعتمد على معايير دولية معترف بها مثل المواصفة القياسية الدولية رقم 33 الخاصة بدستور الغذاء (CODEX) التابع لمنظمتي الأغذية والزراعة (FAO) والصحة العالمية (WHO)، التي أُعدت بواسطة لجنة فنية متخصصة تضم ممثلين عن وزارات الزراعة والصناعة، وغرف التجارة والصناعة، بالإضافة إلى الجهات البحثية والأكاديمية.

كما أكدت أن الإصدار الأخير من المواصفة السورية يستند إلى معايير دولية وإقليمية متنوعة، أبرزها تلك الصادرة عن المجلس الدولي لزيت الزيتون (IOC) ودستور الغذاء، بالإضافة إلى المواصفات الإقليمية لدول الاتحاد الأوروبي ودول الخليج، وكذلك معايير بعض الدول المجاورة مثل لبنان والأردن ومصر.

تعد زراعة الزيتون في سوريا من أقدم وأهم المنتجات الزراعية، حيث تعتبر سوريا الموطن الأصلي لشجرة الزيتون. وفقًا لإحصائيات حكومية سابقة، بلغ عدد مزارع الزيتون في سوريا حوالي 650,000 هكتار، وعدد أشجار الزيتون أكثر من 90 مليون شجرة، 80% منها في المرحلة الإنتاجية، بينما ما تبقى لم يدخل هذه المرحلة بعد. ويقدر إنتاج سوريا السنوي من الزيتون بحوالي 820,000 طن، يُنتج منها نحو 130,000 طن من زيت الزيتون، بينما يتراوح احتياج الاستهلاك المحلي من 70 إلى 80 ألف طن، مما يترك حوالي 50,000 طن يجب تصديرها وفقًا لمواصفة محددة لضمان الحفاظ على سمعة المنتج السوري.

يواجه المنتجون السوريون صعوبات كبيرة في تطبيق المعايير العالمية، التي تتطلب رقابة شاملة ودقيقة على جميع مراحل الإنتاج، بدءًا من الزراعة وصولًا إلى التوزيع. ويعتبر الالتزام بالمواصفات العالمية أمرًا حيويًا لتطوير المنتجات بما يتناسب مع متطلبات التصدير.

من المتوقع أن يسهم الالتزام بالمعايير العالمية في تحسين سعر زيت الزيتون السوري في الأسواق الدولية، حيث سيزيد من تنافسيته ويجنب تصنيفه كزيت خام منخفض الجودة. ورغم أن هذا الالتزام قد يرفع قيمة الزيت في السوق الدولية، فإن تأثيره على الأسعار المحلية قد يكون محدودًا، حيث أن السوق المحلي يعتمد بشكل رئيسي على النوعيات المتوسطة من زيت الزيتون.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط