قامت الثورة التونسية على نظام بن علي المتمثل بحزب التجمع الدستوري وريث حزب بورقيبة السابق، الذي كان يسيطر على كل ما في تونس من سياسة واقتصاد وقضاء وإعلام مدة 23 عامًا من تغوله في السلطة، مثل أي نظام عربي، تسبب في فساد شديد للبلد.
في 2011 مع نهوض بعض القوى الثورية لتحقيق انتقال ديمقراطي، كان لحزب النهضة الريادة، وحزب المؤتمر الجمهوري، وحزب التكتل من أجل الديمقراطية، وأحزاب أخرى تلاشت بعد فترة دور محوري، وقد تشكل الحكم من ثلاثة أحزاب حينها (النهضة، والمؤتمر، والتكتل)، بقيادة المنصف المرزوقي رئيسًا، وكان رئيس الحكومة من النهضة، وقد وضع حينها المجلس التأسيسي لقيادة المرحلة الانتقالية دستورًا جديدًا للبلاد، حيث شهدت المرحلة إرباكًا كبيرًا من عدة أطراف، واغتيالات سياسية، وكان هناك عدة تنظيمات عطلت المسار الديمقراطي وبرامج الأحزاب كاتحاد العام التونسي للشغل الذي يسيره اليسار الاستئصالي، ومنظمة (الأعراف) ذات الصلة بشركات نفطية في البلد موجهها فرنسي، وكذلك رابطة المحامين.
إن تدخل القوى الخارجية جاء بعد اغتيال شكري بلعيد واغتيال محمد البراهمي، ففُرض على النهضة ترك الحكم بحجة نشرها للإرهاب، والتهديد بتفجير الوضع التونسي.
ثم انتقل الحكم بعد رباعي الحوار (اتحاد الشغل، ومنظمة الأعراف، والرابطة الوطنية، ورابطة المحامين) لمهدي جمعة ذو الجنسية الفرنسية في 2014، حيث تمت الانتخابات التي أدت إلى تصفية وجود النهضة هناك من الدولة، والسماح لدخول شركات فرنسية أن تستمر بالعمل دون الرجوع للمجلس التأسيسي.
صعد حزب النداء في هذه المرحلة بقيادة الباجي قايد السبسي، حيث شكل الحكومة بدون النهضة، وأخذ الرئاسات الثلاثة والوزارات السيادية، وقد تخوف هنا حزب النهضة من الاضمحلال السياسي فانخرط رمزيًا بالحكم بوزير واحد، وشهد الحكم استقرارًا لم يلبي مطالب الشعب بالثورة، وترافق ذلك مع تدهور في الوضع الاقتصادي، واضمحلت أحزاب وانشطرت أخرى، وظهرت أحزاب يسارية جديدة خلبية.
إن وفاة السبسي والانخراط بانتخابات 2019 لم تقدم لحزب النداء سوى مقعدًا واحدًا وهو فشل ذريع تسبب باندثاره، وهنا تكتلت معظم الأحزاب اليسارية كحزب التيار الديمقراطي، وحزب حركة الشعب، وشكلت كتلة ديمقراطية في البرلمان التونسي، وهي الداعم الأكبر لقيس سعيد، فغدرت بحكومة النهضة في لحظاتها الأخيرة لحظة التصويت وهنا بدأت المعركة.
لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على تلغرام اضغط هنا
وسائل الإعلام التابعة للنظام السابق والكليات السياسية يتحكم بها يساريون، لذلك نسبة عالية من الإعلاميين كانت معادية لحركات العروبة والفكر الإسلامي المعتدل، فعملت هذه الكوادر على تدمير معنويات الشعب التونسي، وعملت جاهدة لإحباطه بتجاهل نقل الاخبار وإنجازات الحكومة بشكل دقيق، ووجهت المجتمع نحو الطعن بالسياسيين وهذه كانت مهمتها، فوجدوا في قيس سعيد شخصية مختارة بعناية لإكمال المهمة.
تونس تمثل موقع مهمًا جيوسياسيًا لأمريكا وفرنسا التي ما زالت تهيمن على ثروات تونس الهائلة، 400 بير نفط ، و 32 منصة عائمة من الغاز مجهولة المخارج والمداخل، فضلًا عن مناجم الفوسفات و اليورانيوم والمعادن النفيسة، ولكي تكتمل السيطرة الفرنسية عطَّل اتحاد الشغل التصدير لمصالحه الفئوية، وكذلك الملح الأبيض المحدد بأسعار فرنسية من سنة 1940، والثروة السمكية الهائلة تلاعبت بها الشرطة البحرية، وكل الرؤساء، باستثناء قيس سعيد، يحملون جنسيات فرنسية، تم تقديم دعم مادي كبير له لحملته الرئاسية من أمريكا، وقدم وعودًا للأمريكيين بتحقيق كل ما يُطلب منه، فتم تهيئته بشكل جيد كشخص حيادي، وخطبه رنانة شعبوية بوعود تثير إعجاب المتابعين .
قيس سعيد عطَّل الحكومة، وعطَّل التجهيزات الطبية، وكذلك قام بتعطيل المساعدات المالية لإفشال الحكومة، حيث استعان ببطانة يسارية أظهرته أخيرًا على حقيقته كونه يساريًا بالمحصلة، وتعاون عسكريًا لعشر سنوات مع أمريكا، وإضافة قاعدة غواصات أمريكية عسكرية، وإعادة هيكلة الجيش التونسي والمؤسسات الأمنية في البلد، هذا يعني استبدال الدور الفرنسي بدور أمريكي من بوابة الاتفاق مع قيس سعيد.
لأمريكا أهداف من التدخل في تونس أهمها إعادة بناء ليبيا بعد دمارها من بوابة شركاتها في تونس، وكبح النفوذ التركي هناك أيضًا غرب ليبيا، وكذلك مراقبة الوضع في الجزائر بعد تطوير الترسانة العسكرية فيها بالتعاون مع روسيا، حيث تريد الجزائر التمدد نحو إفريقيا والمغرب، وفرنسا تعيق ذلك، وكذلك تسويق تجارتها من بوابة مضمونة تونسية.
عبير موسى الممولة إماراتيًا، التي عملت بجهد كبير على ترذيل البرلمان وتسفيهه من خلال بث مباشر من قبة البرلمان، والحزب القومي الناصري اليساري، وغيره من الأحزاب العلمانية، جيشوا الشعب وشكل مسوغًا لدى قيس سعيد لتبرير هذا الإجراء الذي تم تهيئة الأرضية الشعبية لذلك.
الانقلاب الدستوري تم بمساعدة مصر بعد اجتماعات متتالية للمخابرات المصرية في قصر قرطاج وبمساعدة كل من الإمارات وفرنسا بعد زيارة قيس سعيد لباريس، وسط مراقبة أمريكية قريبة، فهي على علم مسبق بالانقلاب، وهي من أوعزت للعسكر بالتدخل بعد تأسيس الجيش التونسي والتغلغل فيه لتحقيق وصاية على تونس.
لن يستمر هذا الانقلاب، فمطلب الاستقرار داخلي شعبي ودولي لتحقيق انطلاقة اقتصادية قوية في إفريقيا والبدء بإعمار ليبيا ومتابعة الجزائر، وسيضطر قيس سعيد لتعيين رئيس حكومة جديدة ووزير دفاع جديد، لكنه سيمارس هيمنة إعلامية يستنسخ فيها نظام بن علي السابق.