في البداية أود أن أرحب بك دكتور بدر جاموس رئيس هيئة التفاوض السورية، وأريد أن أبدأ معك مباشرة من هيئة التفاوض، ما الذي تتطلّع إليه الهيئة منذ أن تسلّمت رئاستها في حزيران من العام الفائت
ركزت منذ تولي رئاسة الهيئة على عدة مواضيع، من أهمها التركيز على التحرك الدولي واستعادة قوة الهيئة في المحافل الدولية، وعملتُ على تأسيس علاقات دولية أكثر وأوسع من السابق، كما نعمل على بناء علاقات دولية جديدة ليكون لدينا قوة أكبر في عملية التفاوض، كما عملنا على ترتيب البيت الداخلي عبر السعي لإعادة مكونات لم تكن موجودة في الهيئة في الفترة السابقة أو علّقت مشاركتها لأسباب خاصة. عادت الآن لتشارك بشكل فعّال في هذه الفترة بلقاءتنا الدولية، مما يبرز وحدة صف المعارضة، والعمل جارٍ لتوحيد جهود الهيئة بجميع مكوناتها، خاصة في الظروف الصعبة التي نمر بها حالياً في المرحلة الأخيرة
منذ وصولك للهيئة أجريت العديد من اللقاءات مع مسؤولين عرب ووزراء خارجية بعض الدول، وكذلك مع مسؤولين دوليين ووزراء في دول أجنبية، ما هي أبرز المواقف العربية والدولية التي لمستها حول القضية السورية
عملنا لقاءات عديدة مع مسؤولين عرب ودول غربية وفي الولايات المتحدة أيضاً، بهدف إنعاش الملف السوري إقليمياً ودولياً بعد الجمود الذي تعرض له إثر الحرب الروسية الأوكرانية، وتحول اهتمام الغرب بشكل أكبر تجاه هذا الملف، وخاصة الولايات المتحدة، فأصبح الملف السوري متأخراً بالأهمية، خاصة أن الغرب عموماً كان يعتمد على روسيا من أجل الضغط على النظام، والآن صارت روسيا جزء من حرب مباشرة في أوكرانيا.
نسعى بكل ما نستطيع لتحريك الجمود السياسي الذي يعاني منه الملف السوري، عن طريق مقترحات لتخفيف الأزمة على الناس، في مناطق شمال غرب سورية، وخاصة بالنسبة للمهجرين، ونعمل مع الدول على إجبار النظام السوري للانخراط في عملية سياسية جادة.
هل هناك اتجاه عربي للتطبيع مع النظام كما تنقل وسائل الإعلام حالياً، وما هي أبرز المواقف الأوروبية والأمريكية بحسب ما لمست أنت تجاه التطبيع، هل يبحث الجميع عن حل للأزمة السورية بغض النظر عن إرادة الشعب السوري؟
الدول العربية التي بدأت بالتطبيع أو حتى التقارب التركي مع نظام الأسد هو وليد أزمة استمرت 12 سنة حتى الآن، مع عدم وجود جديّة حقيقة من المجتمع الدولي للحل في سورية، بعض الدول لديها ظروف اقتصادية معينة أو لاجئين، وبعضها الآخر يسعى تجاه التطبيع لأسباب محقّة أو حتى غير محقة، السبب الرئيسي لحركة التقارب مع نظام الأسد ولفتح أبواب معه هو عدم توفر أي رؤية للحل في الوقت الحالي، وهذه الدول تقدِّر أن استمرار القطيعة (مع سوريا) أمر غير منطقي من وجهة نظرهم.
موقفنا في هيئة التفاوض واضح من هذا الموضوع وتوجهنا لهذه الدول بضرورة الضغط على النظام وعدم فتح العلاقات بدون حل شامل، وشرحنا لهم أن فتح العلاقات بدون حل سياسي عادل وتطبيق القرارات الأممية لن يمثل أية حلول ممكنة، والاتجاه نحو هذه الحلول الجزئية لن يسهم في حل المشكلة في سورية.
وما لم يكن هناك تغيير في هذا النظام وفي بنية عمله، لن يكون هناك حل شامل في سورية ولن يتحقق الاستقرار.
ما هو الدور الذي يمكن أن تقوم به هيئة التفاوض في ظل تقارب بعض الدول الحليفة للمعارضة من النظام السوري وبالأخص تركيا، وقد التقيت حضرتك بوزير الخارجية التركي سابقاً رفقة رئيس الائتلاف والحكومة ما الذي قاله لكم حول هذا الأمر؟
التقينا مع المسؤولين الأتراك حول التقارب بين تركيا ونظام الأسد، وشرحنا لهم مخاوفنا كمعارضة وكشعب سوري من اللقاءات المشتركة، واحتمالية وصولها إلى التطبيع، ونتفهم أن تركيا لديها إشكاليات كثيرة في هذه المرحلة، أهمها الانتخابات، والأزمة الاقتصادية، والكارثة الأخيرة المتمثلة بالزلزال. هم يبحثون عن إمكانية الحصول على حل مع النظام من خلال الضغط الروسي
في المقابل تلقينا من المسؤولين في تركيا تطمينات بهذا الصدد، وأكّدوا لنا أنّ الحل السياسي أساسي بالنسبة لهم، لأنهم يعرفون أن السوريين لا يمكن أن يعودوا إلى سورية إذا لم يكن هناك ضمانات سياسية حقيقة. وحل مرضي لجميع السوريين.
بعد الزلزال الذي ضرب الشمال السوري والجنوب التركي، والذي خلف وراءه آلاف الضحايا، استغل النظام الكارثة لتعويم نفسه، وأجرى اتصالات عديدة مع دول عربية وأجنبية وقام بعدة لقاءات، ما الذي فعلته المعارضة لكي تمثل آلام الناس بعد الكارثة، وهل ترى أن النظام استطاع كسب نقاط قوة إضافية له بعد الكارثة على حساب المعارضة
هيئة التفاوض والأجسام السياسية السورية عملت بعد كارثة الزلزال مباشرة على التواصل مع جميع الدول والمنظمات الدولية والأمم المتحدة لمساعدة وإغاثة الشعب السوري، وكان تركيزنا في الأيام الأولى على التواصل مع تركيا من أجل فتح المعابر (باب السلامة – معبر الراعي) وغيرها من أجل إدخال المساعدات، بسبب بعض الإشكاليات التي تعرض لها طريق معبر باب الهوى.
كما قمنا بالتواصل الدائم وعلى مدار الساعة مع المجتمع الدولي من أجل إدخال المساعدات من كافة المعابر، وحدث تقصير دولي كبير في هذا الأمر، ولكن بقينا نتواصل من أجل حل هذه الإشكاليات بشكل مستمر، ويومي، وقمنا بلقاءات كثيرة مع الدول منذ أول يوم بالكارثة، وحتى اليوم تجري هذه اللقاءات، للعمل على تأمين الاحتياجات، ودعم أهلنا السوريين في تركيا وفي سورية.
النظام استطاع تحقيق بعض النقاط بسبب التساهل الدولي والبيروقراطية الدولية، وهذا ما نركز عليه في لقاءاتنا مع الدول، هناك ضرورة للتعامل مع المعارضة كشريك دولي وممثل للشعب السوري وخاصة في الأزمات. لأن معظم الأزمات في سورية كان السبب الرئيسي لها هو النظام لذلك لا يجب أن يتم اعتماده كجزء من الحل.
عادت روسيا مؤخراً بعد الزلزال لكي تعمل على تنشيط العلاقات بين النظام السوري وأنقرة، كما أنها تحاول أن تلعب دوراً مماثلاً مع السعودية عبر بوابة الإمارات وعمان، إلى أين ستؤول الأمور برأيك وهل هناك اتفاقات قريبة ستساهم في حل القضية السورية.
روسيا حالياً في حالة حرب، وبحاجة أن تكسب أوراق أكثر، وهي تسعى لتقريب الدول مع النظام السوري، سواء الدول العربية أو تركيا أو أي دول أخرى، لأنها ترى أن فك العزلة عن حلفائها هو متنفس لها، وهذه من القضايا التي تعمل عليها روسيا. إن عجز المجتمع الدولي والأمم المتحدة والأعضاء الدائمين لمجلس الأمن عن فرض القرارات التي تم اتخاذها في سنة 2012، و2015، يفتح الباب بعد 12 سنة لكثير من المراوغة السياسية، ولأن تفكر الكثير من الدول أن تحل إشكالياتها مع النظام بطريقة خاصة بسبب الظروف التي تمر بها هذه الدول.
ما هي رؤيتكم السياسية كونكم رئيساً لهيئة التفاوض حول الخطوة القادمة التي يجب أن تعمل عليها المعارضة السورية سياسياً؟
رأيي الشخصي يتمثل في أنه لا يمكن أن يكون هناك حل في سورية إذا لم يكن حل شامل، الحلول الجزئية لن تنفع وربما تعقّد المشكلة أكثر، وقد رأينا مثالاً لها في الجنوب السوري مع الأردن الشقيق، الأمور أصبحت أكثر تعقيداً منذ توقيع اتفاق الجنوب، ولم يتحقق الاستقرار مطلقاً منذ ذلك الوقت، لذلك أرى أن هذه الحلول لن تجلب الاستقرار في أي مكان من الأماكن، أو أي منطقة سورية أو لجيران سورية، لابدّ من حل سوري شامل، لتحقيق مصالح الجميع في سورية وحل جميع الإشكاليات المتعلقة بالقضية السورية.
في النهاية رسالتكم للسوريين كمعارضة سياسية، ومصارحتكم لهم حول حقيقة الأوضاع التي تحيط ببلدهم ومناطقهم المحررة وقضيتهم
ظروفنا صعبة جداً ويجب أن نعرف كيف نتعامل مع الظروف الجديدة والمعقدة التي وصلنا إليها، هناك أخطاء سابقة وقعنا بها، وإلى اليوم لم نستطع ان نعمل مع بعضنا كفريق في معظم التشكيلات السياسية السورية.
هيئة التفاوض بنت وما زالت تبني استراتيجية العمل المشترك مع كل القوى والمنظمات ومراكز الأبحاث والجهات الفاعلة السورية، يجب أن نجمع كل ما لدينا من طاقة وقوة لكي نستطيع أن نحقق تقدم لقضيتنا السورية.
العمل المنفرد يجب أن يتوقف، ونستبدله بالعمل المشترك، عمل موحد، عمل قانوني، عمل مدني وسياسي ومحلي وإداري وبحثي، وكذلك عمل الجاليات، يجب أن تتضافر جميع الجهود من أجل قضيتنا المشتركة والعادلة، لنستطيع تحقيق تقدّم وإنجاز حلول. كما يجب التعامل مع الدول بمنطلق المصالح المشتركة ويجب أن نعلم أنه ليس بإمكاننا أن نأخذ من كل الدول مصالحنا بنسبة مئة بالمئة، علينا أن نكون أكثر مرونة وتفهّم لمصالح الدول، ونعمل على تحقيق مصالحنا المتقاطعة معها، وهذا ربما ما أغفلته المعارضة السورية سابقاً.
يجب أن نتواصل مع كل الدول، حتى الدول التي تتواصل مع النظام اليوم، لا يجب قطع العلاقات مع أي دولة، يجب التواصل مع الجميع والبحث عن نقاط مشتركة لنُحقق من خلالها مصالح الشعب السوري بتحقيق انتقال سياسي عادل، وتحقيق هذه الدول لمصالحها من خلال حل مشاكل اللاجئين، ومشاكل المخدرات وغيرها مما تواجهه هذه الدول.
هذه الاستراتيجية تحتاج عمل دائم ودؤوب، نستفيد فيه من كل الجهات الفاعلة، ما يجب أن يكون الزلزال بداية تغيير حقيقي بتفكير وعقلية ومنهجية السوريين تجاه العمل المشترك أينما كانوا.
لا يمكن أن نحقق شيء بدون توحيد الجهود، وهنا نصارح أهلنا وشعبنا أن مجرد الرفض للتطبيع مع النظام، ومجرد الرفض لبقاء هذا النظام لن يغير الواقع، يجب أن نعمل مع بعضنا جميعاً لتكون مناطقنا أفضل من مناطق النظام وتحظى بإدارة موحدة تنفيذية تدير هذه المناطق وتكون مقبولة لدى جميع الجهات الفاعلة والمجتمع في هذه المناطق. الفوضى يجب أن تكون مرفوضة، لأن الفوضى تعني الفشل.
قوتنا نحن كسياسيين هي من قوة أهلنا وشعبنا على الأرض، لا بد كذلك من توحيد قوى جالياتنا في الخارج، لأنه يمنحنا قوة ضاغطة في كل عواصم صنع القرار.
يجب أن تكون مطالبنا واحدة وتركيزنا مشترك، كقيادة سياسية وكقيادة مجتمع مدني وكقيادة عسكرية ومجالس محلية، كل هذا يجب أن يجتمع في مكان واحد، وهذا يتطلب اجتماع موسع للفاعلين السوريين لإنجاز مشروع جديد ضمن رؤية جديدة للمرحلة الجديدة التي تشهد تخلي كثير من الدول عن القضية السورية بسبب عدم وجود جدّية من المجتمع الدولي تجاهها، وانطلاق هذه الدول للبحث فقط عن مصالحهم بشكل منفرد، وهذا يدفعنا للتفكير بمصالحنا من جديد بالتنسيق مع هذه الدول، وكل الشركاء المحتملين.