غارات وهمية تحمل رسائل حقيقية

غسان الجمعة

غارات روسية
1٬818

نفّذ الطيران الروسي ليلة أمس غاراتٍ وهمية بصواريخ جو-جو على خط الحدود التركية السورية في منطقة عمليات غصن الزيتون ودرع الفرات التي تحلق الطائرات الروسية فيها عادة إما للمناورة أثناء الغارات الحقيقية على مناطق أخرى أو لإرسال رسائل روسية إلى تركيا باعتبارها صاحبة اليد العليا في هذه المناطق والتي تشكلت خرائط معظمها بتفاهم روسي-تركي.

وباعتبار أن الملف السوري بات يحمل أبعاداً دولية فإن الأطراف الفاعلة فيه تعبر عن موقفها بالشكل الذي تراه مناسباً على أي مسار أو وضع دولي آخر على الساحة العالمية بتحرك معين على الطاولة السورية يعكس الصورة التي تمثل لسان حال هذه الدولة وموقفها من أي قضية.

الظروف والمواقف والأسباب التي دفعت روسيا لشن تلك الغارات تتنوع بين ما هو محلي وإقليمي وحتى دولي فالرسالة الأقرب والأوضح هي للسوريين القاطنين في هذه المناطق على اعتبارها مناطق آمنة لن يطالها القصف الروسي الذي هجرهم من قراهم ومناطقهم في العمق السوري بأن اليد الروسية تطال المكان الذي تريد وليس هناك فرق لدى حميميم بين ما هو حدودي أو غيره.

صويلو يكشف عن عدد السوريين الذين يحق لهم المشاركة في الانتخابات المقبلة

وكذلك الأمر بالنسبة للسوريين اللاجئين في تركيا الذين تروج تركيا لعودتهم الآمنة والطوعية حيث تحتضن تركيا العدد الأكبر من اللاجئين السوريين وليس من مصلحة روسيا أن يعود هذا الخزان البشري لمناطق المعارضة فيكسبها ثقلاً سياسياً وعسكرياً ولتبدأ من بعده ورقة اللاجئين بالاضمحلال دون أن تستفيد روسيا من سلاح اللاجئين لذلك كانت الغارات الروسية سهم الشك في نفوس السوريين اتجاه اليقين الذي تحاول تركيا رسمه منفردة على طول حدودها.

وعلى الصعيد الإقليمي فإن هذا التحرك الروسي يحمل لتركيا رسالة في شقين الأول يتعلق بالثقة التي ينتهجها الساسة الأتراك في الحديث عن مناطق العمليات باعتبارها “مناطق آمنة” في حين أن هذه المناطق لم يتم الاتفاق على وضعها السياسي والعسكري مع روسيا والذي لا يمكن قراءته من قبل موسكو إلا من زاوية فرض الأمر الواقع والتحدي للوجود الروسي فكانت الغارات رسالة واضحة لن يحتاج المسؤولين الأتراك الكثير لقراءتها وفهمها.

لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على تلغرام اضغط هناِ

في حين أن الشق الآخر والمتعلق بتركيا هو تحول الوجود السوري في تركيا إلى ورقة انتخابية بين المعارضة والحزب الحاكم وبالتالي فإن المزاد السياسي المفتوح على منصة الانتخابات التركية المرتقبة حول اللاجئين السوريين من الممكن أن يلعب به بوتين دوراً وإن كان ثانوياً بالوجه الذي يناسب المصالح الروسية بين تصعيد ينفي حقيقة وجود منطقة آمنة أو تهدئة تدعم فكرة الترحيل للسوريين.

من جهة أخرى تتكبد روسيا خسائر فادحة في غزوها لأوكرانيا وتتعرض لضغط اقتصادي وسياسي كبير رافقه عدة تقارير صحفية تفيد بانسحاب روسي من عدة مواقع في سورية مع تنامي الفرص للاعبين الآخرين على الساحة السورية بإشغال الحيز الروسي الذي يمكن أن يخلفه في سورية على إثر حربه في أوكرانيا.

وتركيا والمعارضة السورية هي المعني الأول بهذا الشأن لذلك تستمر روسيا بطلعاتها الجوية على إدلب والشريط الحدودي للتذكير بقدراتها العملياتية على الخارطة السورية وقدرتها على إدارة أكثر من جبهة في آن واحد.

ورغم تنوع جملة هذه الأسباب وتفاوت ارتباطها وأهميتها بالتحرك الروسي إلا أن “السوريين” هم الثابت الذي تدور عليه هذه المتغيرات منذ سنوات كونهم صندوق البريد للساعي الروسي والمتلقي التركي.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط