في حضرة الحرب، أمام فوهات البنادق والمدافع، وفي عتبات الموت والدماء، لا تصحُّ أعراف الحياة وقوانينها، فإذا كانت الحرب خياراً، فغالباً كل ما يجري فيها يخرج عن قدرة الاختيار، وأولئك الذين يحكِّمون عواطفهم وخياراتهم في ساحة القتال، هم المحكمون بالهزيمة.
إننا نمتلك تلك الحرية القاسية التي تجعلنا نقف أمام أبواب الحروب ونكسِّرها، من أجل غايات الحياة الكبرى، أو من أجل غايات وأهداف أخرى بحسب المتقاتلين، ولكن من المهم أن نمتلك إدراكاً كاملاً أننا أحرار حتى تلك اللحظة فحسب.
بإمكاننا التخطيط والإعداد وحساب الخسائر والقلق من أجل الضحايا والدماء والأبرياء والسذج واحتمالات الفناء حتى نصل إلى بوابة الحرب التي لا مفاتيح لها، ولا مقابض، فإمّا أن نقرر كسرها، أو أن نتراجع.
فنحن لن نفتح باباً بإمكاننا أن نغلقه، وإنما سنكسره كسراً، وإن توقُف الحرب أو التراجع أو الهزيمة سيترك الباب وراءنا مفتوحاً، وسيكون علينا التفكير دائماً بهجوم العدو ومباغتته لنا في أي لحظة، هذه هي سنة الحرب التي لا يمكن تغييرها، … وفي الحرب تَفرض عليك المواقف اتخاذ القرارات، وتختفي قدرتك على الاختيار، فإذا لم تخطط جيداً، فإنك مهزوم لا محالة.
وإذا بدأت القتال فليس لك الركون إلى الراحة، وإنما جولات وجولات، كرّ وفر، تخطيط وتدبير، حتى تحقق نصرك، أو تلزم قبرك، و تحقيق السلام يكون للأقوياء لا للضعفاء، إن الضعفاء يجري السلام والصلح على أجسادهم وفوق رؤوسهم المتدحرجة.
الشعور بالاستقرار على جبهات الحرب والقتال خطيئة، إن الهزيمة قابعة فوق أولئك الذين لا يفعلون شيئاً سوى الانتظار، إنهم يتوهمون بانفراج انتظارهم الطويل عن نصر أو خلاص، ولكن الخلاص لا يأتي فوق دروب قد أغلقها ضعف السعي وقلة العمل، والنصر لا يقع للقاعدين والعاجزين، إنما تستجلبه همة الكفاح والنضال والدأب والاجتهاد.
الذين يقررون خوض الحرب يعرفون مسبقاً أن الدماء هي فاتورة صعبة وقاسية، يعرفون أيضاً أن الحرب مليئة بالضحايا الأبرياء والأغبياء على حد سواء، والذين يدافعون عن أنفسهم يحملون الموت للآخرين لدفعه عنهم وعن ما يعيشون من أجله.
لا توجد حروب بدون تضحية، لا يوجد قتال بدون دماء، والذي لا يقاتل ولا يضحي لن ينتصر، والذي يجبن أو يرتعش أمام الدماء كان عليه أن لا يقرر القتال، فلمثله خُلقت الدموع لا البنادق.
الحرب حفرة من الجحيم لا تدخلها إذا لم تكن قادراً على الاحتراق وحرق كل ما يحيط بك من أجل هدفك .. تجنب ذلك من البداية.
عندما تتراجع في الحرب يحدث أمرٌ لن تستطيع تجنبه مستقبلاً، سيتذكر المقاتلون أنهم تراجعوا في إحدى المرّات تحت سياط الرعب والألم، سيكونون أضعف في الجولة القادمة وفي كل جولة تتراجع بها دون أن تثخن بعدوك، سيصبح العدو أشد رهبة في صدرك، وستصبح الهزيمة والانسحاب خياراً وارداً وسهلا في قاموس جنودك
أنصاف المعارك تجلب أنصاف الحلفاء وأعداء بأعداد مضاعفة، الأقوياء يفرضون الاحترام والطاعة على الآخرين، والعدالة هي غاية يحققها الشرفاء بعد النصر أمّا أثناء القتال، فالعدالة هي صوت الرصاص والمدافع.
هذا الخراب الكبير الذي نصنعه لابد أن يكون من أجل حلم كبير، لا بدّ أن يكون له قيمة، وتلك الدماء التي سفكت ولا تزال، لا بد أن تزهر الأرض من تحتها يوماً، لا يمكن أن يضيع كل شيء من أجل وهم التراجع أو الخوف، عليك أن تسعى لقتال عدوك أضعاف سعيه لفعل ذلك، إن أصحاب إرادة القتال الذين لا ينظرون خلفهم، وإنما يرون فقط حلمهم وأهدافهم، هم الأقدر على المضي قدماً، وتحقيق الانتصار.
…
في النهاية سنترحم جميعاً على الضحايا وسندفنهم بوقار وسنصلي من أجلهم، وسيتملّكنا أحياناً الحزن وعذابات الضمير، ولكن إذا كان لا بدّ أن يحدث هذا فليحدث ونحن منتصرون. فنحن نقاتل من أجل الحق، ونبذل دماءنا من أجله، ونسفك الدماء أيضاً في سبيله، هذه هي الحقيقة الوحيدة التي تجعل سيوفنا تقطر من دمائنا ولا نبالي …