كيف أُقتل غدراً برصاصة دفعت ثمنها؟

سامي الغاوي

2٬055

مر عقد ونيف على اندلاع ثورات الربيع العربي لم نستطع خلالها كسب وعي سياسي أو معرفة حقيقة تُعدنا لفهم الواقع، إذ لا زلنا محكومين بقوقعة صممناها على مقاسنا متوجسين خائفين من أي عمل ومن أي خطوة قد نُقدم عليها، ليس هذا فقط بل معاركنا جميعها داخلية بوقت يجب أن يكون العمل فيه على كل الأصعدة الخارجية الممكنة بما يعود على بلادنا بالنفع.

السؤال…كيف أقتل برصاصة دفعت ثمنها؟

كثيراً ما أدخل في سجالات مع أناس من مواطن عربية مختلفة، ويكون السجال عن الثورة، ويبدأ الطرف الآخر بجملة تعودنا على سماعها من أبناء الأقطار العربية بأنّا سبب الدمار والقتل أو باختصار كما يسمونها الفتنة .

لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على تلغرام اضغط هناِ

فكيف هي فتنة أو كيف أكون أنا السبب ولغيري حق عليّ في هذا الأمر؟؟ فتلك الرصاصات والأسلحة التي خسرت بها صديقاً وقريباً عزيزاً وخسرت بسببها أرضاً وداراً ومسجداً، قد دفعنا ثمنها يوماً نحن الشعب كضريبة للدولة سواء ضريبة نظافة أو ضريبة سير وغيرها، هي ذات الدولة التي تكون وظيفتها عادة خدمة الشعب وتوفير الوسائل التي تأمن حياة كريمة له من خلال تلك الضرائب والموارد المتوفرة لديها، لا قتله وتشريده والتنكيل به بأفظع الطرق والوسائل كما نرى اليوم.

المشكلة تكمن في وعي الشعوب العربية: فمرور عقد على ثورات الربيع العربي لم يكن كفيلا بإزاحة الجهل السياسي السائد سواءً عند العوام أو الأكاديميين، فمن فترة قصيرة حضرت محاضرة قدمها الدكتور عبد الله النفيسي في جامعة إدلب ولا يخفى على أحد عند مشاهدة المحاضرة كمية الاضطراب والتوجس الموجود لدى الحضور الممثلين بعمداء الكليات ورئيس ونائب رئيس الجامعة، مما دفع الدكتور عبد الله في نهاية الجلسة إلى دعوة الحضور لما سماه السعة النفسية والرحابة في معالجة المشاكل الداخلية التي تواجه الأطياف السورية.

الجيش الوطني: لا صلة لنا بزعيم داعــ.ش ماهر العكال

ولعل أهم ما يعترضني هو جهلنا لنقاط مهمة في فهم الواقع الذي نعيشه، فمسألة الملك العضوض وتوارث الحكم أدى في مرحلة من المراحل إلى حكم وتحكم العسكر ثم انتهى بجهل حقيقة الثورات وخلطها مع مسارات أخرى، بتقديري أن هذه النقاط أو المشاكل، نتاج تاريخي عبر الزمن أتى بنا لهذه المرحلة تتلخص مشاكله ب:

  1. الملك العضوض:

قدم حاتم المطيري في كتابه الحرية أو الطوفان دراسة موضوعية للخطاب السياسي الشرعي ومراحله التاريخية، وذكر ثلاث مراحل:

المرحلة الأولى: الخطاب السياسي (المنزل) الذي يمثل تعاليم الإسلام، ويشير المؤلف إلى تميز هذه المرحلة بمجموعة من المبادئ وهي بالترتيب: لا دين بلا دولة، ولا دولة بلا إمام، ولا إمامة بلا عقد، ولا عقد بيعة إلا برضا الأمة، ولا رضا إلا بشورى بين المسلمين، ولا شورى بلا حريـــــــــة.

المرحلة الثانية: تمثلت في الخطاب السياسي (المؤول) والذي بدأ بانتهاء الخلافة الراشدة وانتهى بسقوط الخلافة العثمانية في عشرينيات القرن الماضي، وملامح هذه المرحلة تمثلت فيما يلي:

_ مصادرة حق الأمة في اختيار الإمام، الأمر الذي عُد تراجعاً خطيراً للخطاب السياسي حول الحكم الشورى إلى ملك عضوض، توارثه الأمويون بداية من يزيد بن معاوية إلى سقوط الخلافة. فمن الملحوظ في هذه المرحلة انفصال العلماء عن السياسة خوفاً منهم في الدخول بدم المسلمين، إضافة لتداول مقولة ” لكم الدنيا أي (الحكام) ولنا الآخرة “، هذه عوامل أدت لترسيخ الاستبداد في الفكر السني والابتعاد عن الحكم خوفاً من الوقوع في دم مسلم أو النزول بفتنة وجعلت من المسلمين متوجسين دوماً من الخوض في العمل السياسي مما أدى لاحتكار طائفة أخرى لهذا العمل.

كما تراجع دور الأمة في مواجهة الظلم والانحراف، والاستسلام إلى الأمراء والانصياع للظلم بذريعة وجوب طاعة ولي الأمر حيناً وبسد ذريعة الفتن حيناً أخرى.

المرحلة الثالثة التي سماها المؤلف (الخطاب السياسي الشرعي المبدل) بدأت بعد سقوط الخلافة العثمانية إلى عصرنا هذا، وقد تم في هذه المرحلة تبديل شرع الله بأنظمة مستوردة ثم وقوع الأمة كلها في أسر الاستعمار الغربي.

 

  1. التسليم للعسكر وقبول الانقلابات

لا يتصور أن يستيقظ مواطن في لندن أو باريس أو بروكسل على أصوات الدبابات وهي تدخل مقر السلطة بقيادة جنرالات الجيش معلنة إزاحة النظام الحالي وأخذ مكانه، وفي الطرف المقابل شهدنا انقلابين في السنوات القليلة الماضية في السودان وتونس لم تواجه بالزخم الشعبي الكافي لإيقافها. الأصل في الجيش حراسة الحدود فقط وهذا ما يطلق عليه ” الجيش الاحترافي ” وليس الدخول في السياسة والاستثمار كما نشاهد الجيش المصري الآن.

 

  1. عدم تمييز الثورة عن غيرها من المسارات

فالثورة كما يصفها صمويل هنتنجتون العالم والسياسي الأميركي ” انفجار وتغيير داخلي، سريع وجوهري وعنيف في قيم المجتمع ومؤسساته السياسية وبنائه الاجتماعي ” وهذا ما يختلف تماماً عن العصيانات المسلحة والانتفاضات والتمردات والانقلابات وحروب الاستقلال، التي يكون فيها التغيير نسبي وبجوانب معينة، والثورات في الأصل تهدف للتحديث واستعادة الحقوق والقضاء على الاستبداد، فمشكلة الشعوب العربية في هذا السياق وضع الثورة والتمرد أو العصيان المسلح على حد سواء في نفس الميزان والحكم عليه، علماً أن الثورات نادرة ومعظم المجتمعات لم تشهد ثورات أبداً.

 

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط