لغة المصالح وأبجدية الأزمات بين الدول

غسان الجمعة

0 2٬186

 

نعيش اليوم واقعًا دوليًا معقدًا من حيث تعدد أزماته واختلاف تأثيرها على مجريات الأحداث في الساحة الدولية، وطريقة معالجتها من قبل المجتمع الدولي، فبين أزمات يُخشى اندلاعها وبين أخرى طال أمدها، تتشكل سياسات الدول ومواقفها تجاه بعض القضايا، وتتغير على سلم أولوياتها في سياستها الخارجية.

وفي هذه المرحلة تبرز أهمية ربط الملفات بالنسبة إلى الدول من حيث قوة التأثير فيها وتملكها لأوراق التفاوض والضغط بين عدة ملفات دولية وعلى مستويات مختلفة، حيث تتأثر هذه الأزمات بمواقف الدول الممسكة بملفاتها واهتماماتها من منطلق قدرتها واستعدادها للتفاوض والمنافسة والضغط من خلالها.

وفي سياق هذا التشعب أجرى بالأمس الرئيسان التركي أردوغان ونظيره الروسي بوتين اتصالاً هاتفيًا تناول، حسب وسائل الإعلام، علاقة البلدين وإلى جانب ذلك أربع قضايا على الساحة الدولية هي (أذربيجان، وأرمينيا، وسورية، وليبيا، وأوكرانيا) حيث تعيش هذه الدول صراعات مصالح ونفوذ بين طرفي النقاش، بالإضافة إلى لاعبين آخرين.

منظمات دولية تدعو ماكرون للتدخل ومحاكمة ضابط سوري

خمسة دول تُناقش أزماتها في اتصال هاتفي في وقت ليس ببعيد كانت أزمة دولية واحدة كفيلة بعقد مؤتمر دولي وتحرك دول ووسطاء لنزع فتيل الصراع، ولعل هذا التحول في تناول المسائل الدولية يفسره صعود قوى جديدة للمعادلات الدولية خلال العقدين الأخيرين، وذوبان حالة القطبية الثنائية (السوفيتية- الأمريكية) وحتى الأحادية الأمريكية على مستوى العلاقات الدولية، وباتت الدول تبحث بأسلوب مختلف عن مصالحها في ركام النزاعات والأزمات للدول الأخرى، وتترقب تسارع دينامو الأحداث فيها لتحقيق مصالحها ونفوذها، والنظر لهذه الأزمات من زاوية استثمارها سياسيًا واقتصاديًا وإيديولوجيًا.

إن العالم اليوم يرغب بإدارة ملفات الصراع وليس حلها على الرغم من الهالة القانونية والسياسية التي يحيط بها كل ملف على حدة، إلا أن الأمر لا يتعدى كونه أرشفة بيروقراطية دولية دفعت بعمر الشغري أمس للصراخ في وجه مندوبين مجلس الأمن وتحديهم، وتدفع بدول عديدة عبر شعوبها ومؤسساتها منها (سورية، واليمن، وليبيا، وأفغانستان) وغيرها لتعرية النفاق الدولي.

لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على تلغرام اضغط هنا

إن مفاهيم البراغماتية والفوضى الخلاقة وغيرها، وإن اختلفت مشاربها، تتوحد في آليات تطبيقها على الساحة الدولية والتعويل على مراهنات ربط الأزمات بتسويات شاملة باتت من الماضي، فالنزاع المحتمل في أوكرانيا لن يحقق السلام في سورية، وكذلك تعقيدات المفاوضات حول الملف النووي لن تؤثر على سياسات طهران في المنطقة، ولن تهاجم إسرائيل إيران لننعم بمكاسب ذلك مجانًا، ولن يثمر التقارب الخليجي- التركي في سورية بل في بلدانهم ولمصالحهم.

المنافسة الدولية اليوم لا تنطلق للحلول والتسويات من قاعدة إحلال السلام والتهدئة بقدر ما تبحث عن تبادل المصالح ولعب الأدوار في بؤر الصراع، وهذا ما يسبب المزيد من البؤس للبشرية ويتجه بعلاقات الدول بعيدًا عن المنطق والتوقعات، فتارة تميل للتودد وتارة أخرى للتصعيد والاحتدام، وعدم القدرة على ضبط هذا السلوك في عالم السياسة يرجع إلى القيمة الأنانية التي ترتكز عليها وهي (لغة المصالح).

 

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط