رحل البارحة مظفر النواب الشاعر العراقي الشهير، الذي أُعجب بجرأته كثير من الناس إذ أنه عبر عن مدى الاستياء الذي في صدروهم تجاه حكامهم بألفاظ بذيئة سيئة كانت في ذلك الوقت تلبي حاجة الحقد الكامن في الصدور، وربما الكثير لا يعرفون له سوى ذلك المقطع في قصيدته الأشهر “القدس عروس عروبتكم” والذي يقول فيه:
والقصيدة مليئة بالشتائم والبذاءة التي ليس لها دائماً مبررٌ فني، أو شعري، بل هي محاولة إخراج ما في صدور الناس بأبشع صورة، ليشعروا بحجم العار الذي ألحقته الهزيمة فيهم، وحاول تبرير تلك البذاءة في القصيدة بقوله:
ولا أريد هنا أن أحاكم القصيدة أو الشاعر، فهي سواء بمقطعها الشهير هذا، أو بكاملها أعجبت الكثيرين، وتجاوزوا عن ألفاظها لأنها تنقل حنق الشاعر وجمهوره، .. لكن النّواب اتخذ الفحش والبذاءة عادةً في شعره فيما بعد، حين أحسّ أن لهذا الشعر جمهور من الجهلة والمصفقين يشبهون جمهور الحكام الذين يهجوهم بشعره، الحكام الطغاة الذين سينضم إليهم النّواب فيما بعد.
حوّل النّواب لغة الشوارع والجهلة إلى شعر، شعر ركيك ضعيف الصنعة، لا شيء فيه سوى الشتائم والسباب، ينقل حنق الشارع وألمه من الظلم والحكام الظالمين كأي خطيب أو مطرب شعبي يشتهر بين السوقة والعامة، ولا قيمة لشهرة النواب وجماهيريته عندما نتحدث عن صنعة الشعر وأدبية الأدب، وإلا لكان الكثير من مغني البارات والمهرجانات وكتّابهم أشعر الناس!!
ولكن حتى هذه الميزة في شعره لم تكن صادقة، فقد كان النّواب مرتزقاً طائفياً حاقداً، لجأ إلى أحد أكثر الحكام إجراماً في التاريخ، والذي أشرف على اغتصاب عروس العروبة التي كان يبعق النَّواب من ورائها في قصيدته الشهيرة، وهو حافظ الأسد، ثم لجأ بعد ذلك إلى طاغية آخر هو معمر القذافي، وهكذا صار يتنقل بين الطغاة ويمنحهم صكوك البراءة، (شتمت الجميع إلا أنتم) ليدخل الاستثناء تلك القصيدة الوحيدة التي يتذكرها الناس.
ثم لم يلبث النّواب أن أظهر طائفيته وحقده الطائفي في غير مرة … كان أشهرها في قصيدته “وتريات ليلية” التي يقول فيها:
الكوفي يتم صلاة الصبح
بإفريز جوامعها
لشوارعها
للصبر
لعليٍّ يتوضأ بالسيف قبيل الفجر
أنبيك عليا!
ما زلنا نتوضأ بالذل ونمسح بالخرقة حد السيف
ما زلنا نتحجج بالبرد وحر الصيف
ما زالت عورة بن العاص معاصرة
وتقبح وجه التاريخ
ما زال كتاب الله يعلق بالرمح العربية!
ما زال أبو سفيان بلحيته الصفراء،
يؤلب باسم اللات
العصبيات القبلية
ما زالت شورى التجار ترى عثمان خليفتها
وتراك زعيم السوقية!
لو جئت اليوم
لحاربك الداعون إليك
وسموك شيوعيا
يقولون شورى
ألا سوءة
أي شورى وقد قسم الأمر بين أقارب عثمان في ليلة
ولم يتركوا للجياع ذبابة.
طبعاً لا حاجة هنا للشرح، فالكلمات مليئة بالطائفية والحقد، والاعتداء على مقدسات طائفة كاملة، كان الأحرى بالشاعر (الشيوعي!) أن يبتعد عنها احتراماً لأبناء شعبه وقوميته.
ويتابع في موضع آخر من القصيدة حتّى تخاله معمماً شيعياً ينال من أهل السنة في لطميّة أو مناسبة دينية:
إن الحكومات في الشرق تسمية للملاهي
أنا انتمي للفداء
لرأس الحسين
وللقرمطية كل انتمائي
:::::::::::::::
من أين سندري أن صحابيا
سيقود الفتنة في الليل بإحدى زوجات محمد
من أين سندري أن الردة تخلع ثوب الأفعى
صيفا وشتاء تتجدد
أنبيك تلوث وجه العنف
وضج التاريخ دعاوى فارغة
وتجذمن لياليه
يا ملك الثوار
أنا ابكي بالقلب لأن الثورة يزنى فيها
والقلب تموت أمانيه
طبعاً الإساءة في المقطع الأخير لنبي الإسلام (صلوات الله عليه) واضحة ولا تحتاج شرحاً بل استغفاراً، وكذلك الإساءة لأزواجه صلى الله عليه وسلم، لتظهر بهذه العبارات شيعية الشاعر وغلوّه المتطرف جداً، والمليء بالحقد على الآخرين، في صورة طائفية بشعة، تنسف كل ما حاول أن يروج له النّواب من أنه شاعر الحرية والتحرر والثورة، ولا تبقي في مخيلة من يعرف شعره إلا أنه البذيء الفاحش الطائفي الذي جعل الشعر سوقياً. والثورة ارتزاقاً. فربما يصحّ أن نسميه ((أبو الثوار المرتزقة)).
ولا أريد هنا الإطالة، لأن القارئ يستطيع تتبع شعر النّواب بنفسه ليرى أن هذا الراحل لم يكن شيئاً، كان بوقاً لذاته ونزواته، وحاول استغلال مشاعر الشعوب في بعض قصائده ليزيد صدى بوقه ويعظم انتشاره، لكن حقيقته الواضحة من السهل الوصول إليها، … المرتزق الذي عاش على نفقة وفي حماية من ثارت الشعوب لإسقاطهم، والطائفي والفاحش البذيء الذي لا نعرف لمن كان يوجه شتائمه بعد أن استلقى في أحضان من كان يشتمهم!، فهل شتم النّواب الشعوب أم الحكام؟!