أحمد نعسان |
الرسم ليس سهلاً ولا صعباً بالنسبة إلى من يحبه ويهواه، لكن تكمن الصعوبة بتوفر شروط الاستمرار والتطوير، والحياة مستمرة رغم الحرب والفقر، والإنسان الناجح يكافح فيها لتحقيق أحلامه رغم كل الظروف، وإن فشل في حلم يسعى لتحقيق حلمه الآخر بجهد وعطاء دون كلل أو ملل.
آية ديب (18عاماً) من بلدة كفرتخاريم في ريف إدلب عاشت وترعرعت بمدينة حلب، وبسبب ظروف الحرب لم تتمكن من إكمال دراستها التي توقفت عند المرحلة الابتدائية.
آية منذ صغرها أمسكت أقلام الرسم، حاولت ترجمة خيالها برسوماتها، اجتهدت وتدرَّبت حتى نمت موهبتها، وباتت تستطيع إيصال رسائل قوية وناجحة من خلال لوحاتها التي تُعبّر عن حلم الأمل والسلام بعيدًا عن الحرب والدماء.
غادرت آية مدينة حلب المدينة التي تعشقها كثيرًا بسبب التهجير القسري، وبقيت جميع ذكرياتها هناك، لم تحمل معها سوى موهبة الرسم، واستطاعت أن تبدأ حياة جديدة في بلدة “كفرتخاريم” في ريف إدلب حيث تفرغت لتحقيق حلمها وهو الرسم.
آية تحب الرسم وهو حلم لازمها عاماً بعد عام، وأصبح جزءاً لا يتجزأ من حياتها، الرسم والموهبة أتتها بالفطرة، فهي لم تذهب إلى معهد لتعلم الرسم ولم تخضع لأي دورة، بل اعتمدت على ذاتها ونمّت قدراتها وموهبتها من خلال ممارسة الرسم بشكل يومي.
تضيف آية: “بعد مغادرتي لمدينة حلب تأثرت كثيرًا وأحسست بأزمة نفسية لازمتني فترة محدودة، استطعت أن أتخطاها بالرسم، بدأت أتأمل السماء والنجوم والطبيعة وبدأت أرسم ما أشاهده، فعندما أبدأ بالرسم أشعر بأني أفرغ حجمًا كبيرًا من اليأس الذي رافقني في تلك الفترة.”
استطاعت آية، وبدعم من المجتمع المحلي، أن تفتتح معرضًا لرسوماتها وسمته بمعرض “قوس قزح” في دار الأيتام في مدينة كفرتخاريم، الذي لاقى اهتماماً كثيراً وحضوراً لافتاً، وأيضًا عرضت رسوماتها على مواقع التواصل الاجتماعي لإيصال رسالتها وأعمالها للناس والمجتمع، التي لاقت تفاعلًا كبيرًا من المتابعين على اللوحات التي نالت إعجابهم.
تعمل آية على لوحاتها من خلال إدراج الخطوط الخارجية للرسم، وكذلك على دمج الألوان وتوزيع الظلال، ويحتاج ذلك إلى الكثير من المحاولات والممارسة المستمرة فهي تحاول أن تظهر للعالم حاجة المجتمع السوري للسلام والحرية.
جميع رسوماتها تحكي عن المرأة والطبيعة، ترسم ما تتذكره من مناظر جميلة وتسافر فيها إلى عالم السلام حتى أنها رسمت على جميع جدران منزلها، فهي تعيش مع الرسم رحلة إبحار، مسرعة بلوحاتها ورسوماتها إلى عالم مليء بالمحبة والسلام بعيداً عن الحرب والنزوح وبعيداً عن هذا الواقع المؤلم.
وتواجهها العديد من المصاعب، تتمثل بتأمين المواد اللازمة والضرورية للرسم، رغم أنها تستخدم أدوات بسيطة في أعمالها كالحبر والألوان الزيتية، وهي ترسم بالفحم والرصاص أحياناً.
تبحث آية عن فرصة عمل تخدم موهبتها وتقويها وتساعدها على تدبر أمور الحياة بعيداً عن بيع لوحاتها بعد أن أصبحت هذه اللوحات جزءاً منها، بعض اللوحات تؤثر بها أثناء رسمها للوحات أخرى، فمنها ما يذكرها بنفسها ومنها ما يذكرها بمدينتها التي غادرتها.
تتمنى آية أن تفتح مركزاً خاصاً بها لتعليم الأطفال ولاكتشاف المواهب لديهم وإخراجهم من جو الحرب وتنمية قدراتهم، وأيضًا تتمنى أن تنتشر لوحاتها بكل أنحاء العالم وأن تتاح لها الفرصة للمشاركة بمعارض خارجية.
وتختم آية بالقول: “إن الإنسان هو من يصنع الشهادة وليست الشهادة هي من تصنع الإنسان، ودعوتي لكل امرأة أن تعمل على تجاوز جميع العوائق عبر المحاولة والتجربة، فمن خلال التجربة يمكن التعرف إلى قدرة الشخص على القيام ببعض الأمور، وبمعنى آخر لا بدّ للإنسان من البحث عن الموهبة بنفسه مهما كان الأمر معقداً وصعباً في البداية.