بقلم : عبدالغني الأحمدشهد عام 2016 بعد مرور نصفه الكثير من الأحداث السياسية والمتغيرات الاقتصادية في العالم،ولا تزال سوريا هي الحلقة الأبرز والعنوان الأكثر دموية في مسلسل الصراعات العالمية، فقد تجاوزت الثورة السورية عامها الخامس بأكثر من نصف مليون شهيد وحوالي 13 مليون نازح ولاجئ، وأكثر من 300 ألف معتقل، أما عن أبرز التطورات على الصعيد السوري، فهي إعلان روسيا عن انسحابها من الحرب التي أعلنتها في سوريا، والتي استهدفت فيها المدنيين بنسبة 80% وذلك حسب تقارير الأمم المتحدة، وهذا مالم يحصل إذ لاتزال الطائرات الروسية تشارك كل العمليات العسكرية التي يقوم بها النظام وتعتبر الشريك الأول للنظام في قتل السوريين، بل إنها تغلبت عليه في كثير من الأحيان، حيث قامت بالعديد من المجازر في سوريا أبرزها قصف مشفى القدس في مدينة حلب وسط تخاذل واضح للمجتمع الدولي،وقد شهد مطلع العام تقدما واضحا للنظام في ريف حلب الشمالي بمساعدة الطيران الروسي وتمكنه من فك الحصار عن بلدتي نبل والزهراء المواليتين، ورصده لطريق الكاستيلو الذي يعتبر الطريق الوحيد الذي يفصل حلب المحررة عن الريف بعد معارك صد ورد في منطقة الملاح الاستراتيجية، مما قد يسبب كارثة إنسانية في حال حاصر المدينة بشكل كاملأما المفاجأة الكبرى في الصراع السوري هو إعلان حزب الاتحاد الديمقراطي pyd الكردي عن إقامة حكم ذاتي للأكراد في شمال سوريا “روج آفا” ولم يكتفِ الحزب بهذا القدر حيث قام باقتحام الكثير من البلدات والقرى عن طريق قوات سوريا الديمقراطية المدعومة بالتحالف الدولي لوجستيا وعسكريا، حيث اعترفت الخارجية الأميركية بمشاركة ضباط لها في العمليات داخل سوريا لمساعدة قوات سوريا الديمقراطية في اقتحام مدينة الرقة وتحريرها من داعش على حد قولهم،وقد تمكنت القوات من اقتحام مدينة منبج والسيطرة عليها،في المقابل يبقى تنظيم الدولة متجاهلاً كل الاخفاقات العسكرية على جبهتي النظام الذي دخل محيط الرقة للمرة الاولى منذ عامين، وقوات سوريا الديمقراطية تصبُّ كلَّ ثقلها في ريف حلب الشمالي على جبهة الثوار،بين كل هذه المتغيرات تبقى الثورة السورية الملف الأكثر تداخلا في الصراعات العالمية في القرن الحديث
لبنان دون رئيس … هكذا بدأ عام 2016 كما بدأ وانتهى سابقه، ولا جديد يلوح في الأفق،وليست هذه الأزمة الوحيدة، إذ لا تزال أزمة اللاجئين تنال النصيب الأكبر من مشاكل لبنان، ويعاني اللاجئون من العنصرية التي خيمت على واقع اللاجئ السوري في لبنان، وقد وصلت هذه العنصرية إلى حدِّ الاعتداء المعنوي والجسدي في كثير من المناطق والقرى اللبنانية خاصةً بعد حوادث التفجير التي حصلت في البقاع، ويبقى لبنان الخاسر الأكبر من تدخل حزب الله في الحرب السورية للدفاع عن “مقام السيدة زينب” !!!! ممَّا جعل لبنان يذوق مرارة التفجيرات التي طالت الضاحية الجنوبية وراح ضحيتها العشرات. العراق لا استقرار منذ 2003 … العراق الذي فقد الأمن والاستقرار منذ الغزو الاميركي سنة 2003 لا يزال يتجرع مرارة الطائفية التي ورثته إياها أميركا مُوقعة إياه بحروب تطهير عرقي، حيث قام الحشد الشعبي الشيعي بدعم من القوات العراقية والتحالف الدولي متمثلا بأميركا باقتحام الكثير من المناطق التي سيطر عليها تنظيم الدولة في عام 2015 وقد شهدت هذه الاقتحامات تطهيراً عرقيا بحق سكانها أصحاب الغالبية السنية وتدميراً للمساجد بهدف طمس معالم الهوية السنية، وقد صبَّ الحشد كلَّ إمكانيته لاقتحام مدينة الفلوجة بأقوى الأسلحة بعد أن حاصرها من كل محاورها، وبعد عدة محاولات تمكن من السيطرة عليها. اليمن … صراع إيراني سعودي على أرضها، إذ لا تزال إيران تلعب دور البطولة في الصراعات الطائفية،وقد شهد هذا العام استقرارا واضحاً للحوثيين وبسط سيطرتهم بشكل واضح على غرب اليمن وسط صمت دولي على عكس ما حصل في العام الفائت من تدخل للقوات العربية برئاسة السعودية وقصفها لمواقع الحوثيين في اليمن، وتعهدت القوات المشاركة بمساعدة الشعب اليمني على استعادة أرضه، ممَّا يجعل تقسيم اليمن يلوح في الأفق. السعودية التي عادت في العام الماضي إلى الواجهة السياسية في المنطقة اصطدمت بأكبر أزمة مالية في تاريخ المملكة في بداية العام الحالي، حيث وصل العجز إلى ما يقارب 80 مليار دولار؛ وذلك نتيجة لانخفاض أسعار النفط الذي يعتبر المصدر الأساسي في ميزانية المملكة، ممَّا يجعلها غارقة في أزمتها الاقتصادية، وقد تعرضت السعودية لهجمة إرهابية استهدفت منطقة الاحساء. وفي المغرب العربي لاتزال أزمة الصحراء الغربية بين المغرب وجبهة البوليساريو، أمَّا في تونس فإنَّ الوضع مستقر لحركة النهضة التي تحكم البلاد، وفي الجزائر بلد المليون شهيد يبقى الميت عبد العزيز بوتفليقة متربعاً على الكرسي النقال الذي يحكم البلاد من خلاله؛ لعجزه ومرضه وتقدمه في السن، وفي موريتانيا قام الرئيس محمد ولد عبد العزيز بالانقلاب على الدستور وتعديله كي يتمكن من الترشح لفترة رئاسية اخرى. أما تركيا فقد تصدرت قائمة الأحداث السياسية، فقد كان لاستقالة داوود أوغلو من رئاسة الحكومة وحزب العدالة والتنمية صدى في الأوساط السياسية العالمية، وقد تم تعيين بن علي يلدريم خلفاً له، وقد تزامن ذلك مع انخفاض كبير لليرة التركية أمام الدولار، ف وصل إلى حدِّ 3.40 ليرة تركي للدولار الواحد، وقد كان لإعلان الحزب الديمقراطي السوري لمنطقة حكم ذاتي في شمال سوريا وقع كبير عند الحكومة التي أعلنت أنها ستقف في وجه كل مشروع يسعى لتقسيم سوريا، مما جعلها مجددا تحت مرمى التفجيرات التي طالت كلا من أنقرة في مطلع العام، وتلاها ثلاثة تفجيرات في مدينة إسطنبول دون أن يتبناها أحد، وقد سارعت الحكومة إلى اتهام حزب العمال الكردستاني وحلفائه بالوقوف وراء التفجيرات، أما علاقات تركيا مع الدول الأخرى فبدأت تتحسن خاصة بعد التباعد مع روسيا عقب إسقاط تركيا لطائرة روسية في أواخر العام المنصرم، إذ قامت الدولتان بتوقيع اتفاق تفاهم لحل المشاكل، وقد تزامن ذلك مع تطبيع للعلاقات مع إسرائيل، وتوقيع مذكرة تفاهم قضت باعتذار إسرائيل عن شهداء سفينة مرمرة. إيران … إيران التي يبدو أنها نالت الضوء الأخضر لتعيث فساداً في دول الجوار بعد أن تخلت عن برنامجها النووي لا تزال تستمر في هوايتها بالتدخل في الدول العربية، لتبقى حاضرة حتى الساعة في أبرز العواصم العربية كدمشق وبغداد وصنعاء وبيروت …. متناسية كل الظروف الاقتصادية التي لازالت تخيم عليها على الرغم من تخفيض العقوبات من قبل مجلس الامن.وبعد أن كانت الدماء حكرا على منطقة الشرق الأوسط في الأعوام السابقة، شكلت بلجيكا عنوانا دمويا بالخط العريض في أوروبا، إذ طالت التفجيرات العاصمة بروكسيل وأوقعت 34 قتيل وعشرات الجرحى لتعيد إثارة الذعر في أوروبا، وقد كان خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من أبرز الأحداث السياسية، مما أثر سلبا على قوة الجنيه الإسترليني، وذلك لسحب أغلب المستثمرين أموالهم من المملكة، أما بخصوص اللاجئين فقد أمسى المواطن السوري الخاسر الأكبر بعد توقيع اتفاقية اللاجئين بين تركيا والاتحاد الاوروبي في مطلع العام، وقد نصت الاتفاقية على الحد من تدفق اللاجئين ممَّا جعل آلاف اللاجئين عالقين على حدود مقدونيا واليونان وبلغاريا، وقد نصت السويد مجموعة من القرارات كتقليل فترة الإقامة مما أثار خيبة أمل عند السوريين اللاجئين إليها. الولايات المتحدة الأميركية …. تستمر أميركا في إدارتها للنزاعات العالمية عن بعد عن طريق تبنيها ودعمها لعدد من التنظيمات كقوات سوريا الديمقراطية في سوريا، وحزب الله وإيران في سوريا والعراق واليمن وغيرها … ويشهد عام 2016 نهاية الولاية الثانية للرئيس أوباما، ويعيش الشارع الأميركي فترة عرض للبرامج الانتخابية لمرشحي الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي، وقد برز نجم المرشح الجمهوري دونالد ترامب خاصة بعد مجاهرته في رغبته بطرد المسلمين من أميركا في حال تولى الرئاسة على اعتبارهم إرهابيين على حد قوله! وقد عكر صفو تلك الحملات الانتخابية التفجيرات التي أصابت ملهى ليليا في مدينة أورلاندو، قتل فيه العشرات،وأعقبها قيام أحد القناصة بقتل خمسة من الشرطة في ولاية تكساس خلال إحدى المظاهرات احتجاجا على تصرفات الشرطة ضد السود.روسيا التي لازالت تحلم في حكم العالم تعيش أزمة اقتصادية كبيرة وسط غضب شعبي واسع في الداخل نتيجة للسياسية الجديدة التي انتهجها بوتين بالتدخل في الدول وتأجيج الصراعات فيها.هكذا انتهى النصف الأول من العام لتبقى سوريا رهينة للحرب التي نذر العالم بأجمعه نفسه على التآمر عليها مع استمرار الطفل الإيراني بالتشارك مع روسيا بالعبث بالدول العربية بضوء أخضر أميركي.