د. عمر عبد العزيز نتوفيعتبر مستوى العناية والرعاية للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة معياراً أساسياً لقياس حضارة الأمم ومدى تطورها، وتشكل رعاية هؤلاء الأطفال إحدى أولويات الدول المتقدمة، والتي تنبثق من مشروعية حق الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في فرص متكافئة مع غيرهم في كافة مجالات الحياة، وفي العيش بكرامة وحرية.والشخص ذو الاحتياجات الخاصة: هو كل فرد لديه قصور في القيام بدوره ومهامه بالنسبة إلى نظرائه من نفس السن والبيئة الاجتماعية والاقتصادية والطبية، تلك الأدوار والمهام قد تكون في مجال التعليم أو اللعب أو التكوين المهني أو العلمي أو العلاقات العائلية وغيرها.و في ظروفنا الحالية يبقى أزيز الرصاص وأصوات المدافع، وتحليق الطيران وقصف الصواريخ، والحرب الطاحنة، و مشاكل اللجوء و النزوح سائدة في الأرجاء، فهل فكرنا أن نتعرَّف على رغبات أطفالنا ذوي الاحتياجات الخاصة، وأن نلبّي احتياجاتهم في هذه الظروف الصعبة، أو أن نتواصل معهم على أقل تقدير دون أن نقلل من إنسانيتهم؟ فالمشاهد المروعة تحدث أمام عيونهم، فقد يفقدون عزيزا على قلوبهم، فيصرخون بصمت و لا يسمع صرخاتهم و أنّاتهم إلا جدران قلوبهم التي أنهكها التعب ومزَّقها حاجز الإعاقة الذي حال دون وصول أحاسيسهم إلى الناس ، فالحرب محت من عالمهم الجميل كلَّ آثار الطفولة والبراءة التي من الصعب في جوٍّ كهذا استعادتها.وهذه منظمة “هيومن رايتس ووتش” قالت في تقرير أصدرته: “إنّ ذوي الاحتياجات الخاصة من السوريين، يواجهون مشاكل تتعلق بالإهمال وعدم المساواة في الحصول على الغذاء والرعاية الصحية بسبب النزاع والنزوح”.سافرت “هدى” التي فقدت ساقها ويدها اليمنى، مع شقيقها عبر البحر إلى اليونان، عاشت رحلة قاسية على متن القارب المطاطي (البلم)، تقول عن التجربة: “تخلصوا من كرسيي المتحرك حين وضعوني في البلم، وما إن ضربتنا أمواج قوية لم أستطع التوازن فسقطت في منتصف القارب وابتلعت الكثير من الماء، كنت أسمع صراخاً وشعرت أني أختنق، كانت أكثر اللحظات التي شعرت فيها بالعجز إذ لم أستطع إنقاذ نفسي، غبت عن الوعي، وحين استيقظت كنت على الشاطئ”أما “رؤى” التي تعيش الآن في هولندا، فترى في هذا البلد المستقبل الذي كانت تبحث عنه لطفلتها المصابة بمتلازمة داون، والتي تحتاج إلى رعاية وأسلوب تعليمي خاص حرمت منه في سورية، تقول: “ابنتي هي سبب مجيئي إلى هنا، فأنا أريد لها أن تعيش حياة أقرب ما تكون للطبيعية، الدول الأوروبية تولي اهتماماً كبيراً للأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، فبعد عدة أشهر، باتت تذهب ابنتي يومياً إلى المدرسة وهي سعيدة جداً”.يعد ذوو الاحتياجات الخاصة الحلقة الأضعف في المجتمع السوري، ويعانون من ويلات الحرب أضعاف الأشخاص الأصحاء، فهم بحاجة إلى رعاية صحية وطبية خاصة، علاوة على المعدات والأجهزة الطبية اللازمة لتخفيف معاناتهم.فهذه “سارة ” والدة لطفل فقد بصره تقول: “بعد سقوط صاروخ على حيِّنا، أصيب ولدي بشظية تسببت له بالعمى، ترك المدرسة بعدها لأنَّه لم يعد قادراً على التعلم، الذهاب إلى مدرسته القديمة يتسبب له بضغط نفسي، لكن لم نجد البديل، سخّرت له كل حياتي، لكن وضعه لا يتحسن ليس لدينا خيار إلا السفر، كل ما أريده هو أن يدخل مدرسة خاصة بالمكفوفين ويتابع تعليمه”.وهذا غيض من فيض من آلاف القصص لأطفال عانوا ويلات الحرب.و قد زادت نسبة الإعاقة لدى أطفالنا بسبب الحرب و بشكل كبير جداً، فعلينا كأفراد و جماعات أن نولي هؤلاء الأطفال، الاهتمام و أن نتعاون مع أسرهم و المجتمع الصغير الذي يحيط بهم في تأمين احتياجاتهم، و أن نمنحهم الحب اللامشروط الذي يستحقونه، و أن نقوم بمجموعة متكاملة من البرامج والأنشطة التي تساعد الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة على تنمية وتطوير قدراتهم وتحقيق القدر المناسب لهم من الاستقلالية التي تمكنهم من ممارسة نشاطات حياتهم المختلفة،وأن نقوم بالمساعدة في تأهيلهم من عدة جوانب:1.التأهيل النفسي: حيث نساعدهم على مواجهة المشكلات التي يواجهونها جرَّاء الحرب و النزوح، وتحديد أسبابها ومعالجتها.2.التأهيل الطبي: هو التأهيل الذي يعيد الطفل ذي الاحتياجات الخاصة إلى أعلى مستوى وظيفي ممكن من الناحية الجسدية والعقلية.3.التأهيل الأكاديمي: وهو أن نوفر التعليم المصمم خصيصاً ليناسب احتياجاتهم ويلبي تطلعاتهم.4.التأهيل المهني: فعن طريقه يحصل الأطفال ذوو الاحتياجات الخاصة على الخدمات المهنية كالتوجيه والتدريب المهني.5. التأهيل الاجتماعي: وفيه نساعد هؤلاء الأطفال على التكيف الاجتماعي بغرض دمجهم في المجتمع.إنّ عظم المسؤولية يرتب علينا أن نوحد صفوفنا وننحي خلافاتنا جانباً، وأن نضع أيدينا بأيدي بعضنا، لنؤمن لأطفالنا حياة أفضل وبيئة أجمل للعيش، يجدون فيها الحب والعطف والأمان الذي فقدوه في هذه الحرب.