أحلام هاربة من رؤوس أصحابها                      

بقلم رئيس التحرير

• يحلمُ المهاجرون إلى أوروبة الذين ركبوا البحرَ وقطعوا المسافاتِ الطويلةَ أن يعودوا إلى وطنهم المملوء بالخير والنور والأوراد، وإلى ملاعبهم الأولى التي ما زالت تحتفظ بصورهم وأصواتهم وذكرياتهم، ويرون البلاد الأوروبية طواحينَ تطحن عظامهم، وظلماتٍ تجتاح أرواحهم!
• يحلم المستظلون بسقف الوطن، الجالسون في أحضانه أن يهدموا السقف ويسقطوه على رأس الوطن وأبو الوطن وسكان الوطن، وأن يهجروا الحضنَ الذي يغرق في الوحل والغبار والعتمة، وأن يفروا بجلودهم وأرواحهم وما تبقى لديهم من كرامة إلى أوروبة تلك المدينة الفاضلة!
• يحلم المتزوجون أن يستيقظوا يومًا فلا يجدوا زوجاتهم فوقَ رؤوسهم يثرثرن ويغمغمن ويثغثغن ويجعجعن، لقد تعبوا من الألسنة التي تشبه المبارد، والطلبات التي لا تنتهي، والأحاديث المملة، ولم يعودوا قادرين على مداراة خواطر القوارير التي تكسرها نسمة هادئة!
• يحلم الأعزاب أن يستيقظوا يومًا فيجدوا إلى جانبهم زوجةً عيناها نافذتان تطلان على عوالم البراءة، وقلبها أوسع من أحلام الأطفال، ويداها داليتان من نور وماء، وحديثها كحقول الربيع، وصوتها مبتل بأمواج البحار وندى الفجر وعطر الياسمين، وشعرها حقل من سنابل القمح كلّما تحرك أورقت شجرة وحطَّت حمامة.
• يحلم الرجال بنساء بلا (حَمَوَات)، خلق الله أفواههن لغزل الكلمات الشاعرية والتفنن في صياغة الجمل المدحية، يمتلكن صبر الأنبياء والقدرة على تحمل (غلاظة) الرجال، يُجِدْنَ الطبخ و(النفخ) وتنظيف المنزل وتربية الأولاد بالطرق الحداثية، عيونهن كعيني (هوليا أفشار) وأصواتهن كصوت (سبل كان) ورشاقتهن كرشاقة عارضات (كوكو شانيل)، وحركتهن في المنزل كحركة (ماريا شارابوفا) في الملعب!
• تحلم النساء برجال فيهم صفات الرجولة، ولا يشبهون النساء!
• يحلم الأغنياء الذين انتفخت جيوبهم وتدلت كروشهم أن يفقدوا جلَّ ثروتهم مقابل أن يعيدوا إلى حياتهم بساطتها وهدوءها وسعادتها، وأن يجدوا إلى جانبهم أصدقاء لا يعبدون المال ويعيشون له، وأن يجلسوا مساء على الأرض ويتناولوا مع عائلاتهم من طبقٍ واحد، لقد تعبوا من الركض خلف الأوراق الخضراء، وأدركوا أخيرًا أنَّ السعادة ليست في المال وحده!
• يحلم الفقراء الذين نسيت جيوبهم رائحةَ المال، فنحِلَت جسومُهم وحَدِبَت ظهورُهم، أن يبيعوا جلَّ أعمارهم مقابل أن يحصلوا على شيء من المال يشعرهم بأنهم ما زالوا على قيد الحياة، وأن يفاجئوا معدتهم الخاوية بطعام يوصف بالدسم، بعد أنْ ظنت أنَّ الخبزَ والبصل هو طعام الإنسان لا غير، لقد تعبوا من سؤال الناس واستجدائهم، وأدركوا أنَّ السعادة كلَّ السعادةِ في المال وحده!
• يحلم المعلمون أن يجدوا طلابًا يفرِّقون بين الكتاب والحذاء، وطالبات يفرِّقْنَ بين قلم الحبر وقلم الرُّوج!
• يحلم الطلاب أن يجدوا معلمين لا ينتمون إلى الكلاسيكية التي لم تستيقظ من نومها بعد!
• يحلم الحكام العرب بشعوبٍ تنام فلا تفيق، تعجز فلا تتحرك، يُداس عليها فلا تثور، تُنتهك أعراضها فلا تنتفض، تُسرق فلا تُطالب بحقها، تُستغضب فلا تغضب، تستنصر فلا يُنتصر لها، ثم ترفع صور جلاديها وتسجد لهم وتطبل وتزمر ليل نهار!
• تحلم الشعوب المسلمة بحكام يعرفون الله ويخافون منه!

ملاحظة: جميع هذه الأحلام لم تتحقق، باستثناء حلم واحد.