“لا يمكن بناء سلام بدون عدالة، ولا يمكن افتراض العدالة كقيمٍ فقط بعيدة عن المجتمع ومشكلاته الكبرى، ولا يمكن إعادة بناء هذا المجتمع دون حوار”
بهذه الكلمات لخص السيد فراس مصري رؤية منظمة مدنيون للعدالة والسلام، ومسارات عملها، التي تركز على بناء الحوارات بين أطياف المجتمع السوري، والتوعية في المجالات السياسية، واستهداف الشباب بالدرجة الأولى الذين هم نواة المجتمع وشريحته الأساسية الآن وفيما بعد.
منظمة مدنيون تمّ تأسيسها منذ أكثر من عامين في غازي عنتاب – تركيا، وقد عرفت عن نفسها كمنظمة مجتمع مدني مستقلة غير ربحية تُعنى بالتنمية السياسية والقانونية وبناء السلام وتعزيز ثقافة التواصل والحوار لإنضاج الفكر والممارسة السياسية والمشاركة المجتمعية.
غايتها الإسهام في بناء مجتمع سوري قادر على التعايش السلمي متنعماً بالحرية، قائماً على العدل والمساواة بين جميع أفراده من خلال التمكين والتثقيف ونشر الوعي في المجالات السياسية والحقوقية والاجتماعية بين مختلف أطياف المجتمع السوري بغية الوصول إلى مجتمع تنتشر فيه قيم العدالة والسلام والديمقراطية.
كانت أبرز اهداف المؤسسة كما شرحها لنا السيد فراس مصري في لقاء خاص أجرته معه صحيفة حبر:
– إعداد الشباب ليكونوا ممكّنين سياسياً ويقوموا بدورهم في بناء المؤسسات السياسية الوطنية بعيداً عن الصراعات وتعميقاً لثقافة المنافسة في خدمة سورية في جميع المراحل.
– تمكين النخب الوطنية لاسيما القانونية في مجالات القانون الدولي وحقوق الإنسان والعدالة الانتقالية.
– تأهيل المواطن السوري ليكون قادراً على المشاركة بصناعة القرار السياسي وتوفير المداخل الميسرة له للمشاركة في العملية السياسية.
– تعزيز دور المرأة والشباب في العمل العام وتمكينهم من فهم قواعد الممارسة السياسية للمساهمة في صنع القرار.
– تعزيز السلم الأهلي من خلال الحوار الوطني بين أبناء الشعب السوري للوصول إلى عقد اجتماعي يؤدي الى دستور يحفظ حقوق الجميع.
– رفع السوية المعرفية للمجتمع السوري لتحقيق الانسجام مع آليات العمل الديمقراطي وممارسة حقه في الانتخابات والاستفتاء على الدستور ومبادئ الحريات العامة كحقوق واجبة لكل سوري.
– توفير منصات بحثية وتقديم دراساتٍ لدعم النخب والتجمعات السياسية على بلورة رؤية سياسية واستراتيجية للمخارج المناسبة في القضايا الشائكة.
عملتِ المؤسسة خلال سنتين مع أكثر من ثلاثين شخصية سورية وطنية، في دورات تدريبية ومحاضرات تثقيفية قدمتها للمجتمع السوري في مجالات الحوار والسياسة والسلم الأهلي، وتقبل الآخر، وآليات بناء المواطنة والدولة، والانتخابات والمفاهيم القانونية والدستورية.
وعملاً على تقوية النسيج السوري والمشاركة المجتمعية الفعالة، قامت مدنيون بمختلف نشاطاتها بالشراكة مع العديد من المنظمات والفعاليات السورية، (حوالي عشر منظمات وفعاليات شريكة) ذكرتهم بالتفصيل في تقريرها الذي أصدرته في 1 شباط 2018 بمناسبة مرور عامين على تأسيسها، وتم نشر التقرير على صفحتها الرسمية لكي يطلع عليه من يشاء.
وحول أهم الأعمال التي قامت بها المنظمة، تحدث السيد عبد الله عتر (مستشار في المنظمة) عن دورات إعداد الميسرين التي قامت بها المنظمة من أجل تعزيز ثقافة الحوار، واستهدفت بها شباباً سورياً من مختلف ألوان النسيج السوري، حيث عملت بالتعاون مع منظمة المساحة المشتركة والسيد عزيز حلاج خلال عامٍ تقريباً على دورات في مستويات مختلفة تشرح آلية عمل الميسرين وكيفية بناء التوافقات وتعزيز الحوار وإيجاد اللغة المشتركة بين المتحاورين، ونزع فتيل المشاحنات بين مختلف الجهات المتحاورة المفترضة، من أجل الوصول إلى مجتمع سوري مسالم يهدف إلى بناء وطنه أولاً، وإيجاد الحلول المرضية للجميع.
كما تحدث السيد فراس مصري عن مشروع يعتبره أحد المشروعات المهمة التي قامت به مدنيون بالتعاون مع مركز الحوار للدراسات، حيث عملت مدنيون على عقد مجموعة من اللقاءات لتقريب وجهات النظر بين الأطراف السورية المختلفة ومعرفة أين تكمن الخلافات الجوهرية والإشارة إليها من أجل استهدافها في الحوارات القادمة، وأجرتِ العديد من الدراسات الميدانية في هذا الصدد، لكي تقف على حقيقة انسجام مواقف الكتل السياسية مع من يفترض أنهم يمثلونهم على الأرض.
وعبر المسار السياسي الذي تستهدفه مدنيون، قامت المنظمة بعقد مجموعة من اللقاءات المهمة وورش العمل حول المفاوضات التي تخوضها الأطراف السورية في جنيف واستانا، وكذلك في سوتشي مؤخراً، وقد شارك في معظم هذه اللقاءات فعاليات شعبية، ومنظمات وخبراء ومفاوضون ، حيث لعبت دوراً يقرب النخب السياسية من الشارع السوري، ويجعلها أكثر التصاقاً به، وتفهماً لرغباته ومعاناته، ولكي يستطيع هذا الشارع فهم التحديات التي تواجه العملية التفاوضية في مختلف مساراتها.
كما أكد السيد فراس مصري المدير التنفيذي للمنظمة مراراً أن المنظمة منبر للشباب أولاً وآخراً، وهدفها الأساسي يكمن في تمكينهم، ومشاركتهم المسؤولية والقرار، والتركيز على بناء ثقافة مشتركة بينهم تضمن وحدة التوجه الوطني مستقبلاً تجاه قيم العدالة والسلام والحرية وتقبل الآخر، مهما اختلفت التوجهات والانتماءات، فالوطن لا يمكن بناؤه من جهة واحدة، ولا يمكن له أن يستمر إذا ما أعلنت جهة أنها تمثله دون سواها، والمشاركة في الوطن وقراره هو حق لجميع أبنائه بالإطلاق، سواء كانوا أكثريةً أم أقلياتٍ، لأن واجب الدفاع عنه أمانة عند الجميع أيضاً.
التفاهم والتوافق هو أساس بناء الأوطان، والإقصاء أو الاستقواء بالخارج سيعمل على هدم جميع القيم المشتركة لذلك يجب علينا كسوريين أن نكون حذرين تجاه صياغة المستقبل القريب، خاصة أننا نخوض أزمة كبرى لم نواجه مثلها قبل ذلك.
في نهاية اللقاء الذي جمعنا مع مدنيون، دعتِ المنظمة إلى ضرورة التركيز على جميع الأعمال ذات الطابع الاجتماعي والسياسي، وأن هذه الأعمال لها نفس أهمية العمل الإنساني، بل ربما تفوقها أهمية، لأن أي تغافل، أو تهاون في هذه المجالات قد يتسبب في صياغة مستقبل من الصراعات التي نتمنى أن نتخلص منها بأسرع وقت ممكن، وعلى جميع الأطراف السورية أن تعي ذلك، وأن يركزوا على حيوية الشباب ودورهم، لأنهم يصنعون مستقبلهم، ولا ينفع أن يصنع الشيوخ لهم ما لا يلائمهم لأن ذلك سيجعل المنظومة المجتمعية القادمة هشة ومهددة بالانهيار في أي لحظة,
لا بد من العدالة والسلام والحرية والمشاركة والحوار وتقبل الآخر دائماً على أنه شريك في الوطن لا منافس عليه لأن الوطن للجميع نتنافس من أجله لا به.