بقلم : محمد درويش أبو همّام تجذَّرت الأتاتوركية في الشعب التركي إلى درجة أصبح التغيير المفاجئ والسريع أمرأ صعباً، يدركه كل من عرف وفهم طبيعة هذا الشعب ومكوناته والتاريخ السياسي والمجتمعي الحديث الذي وضع بذوره أتاتورك وسقاه جيل من العساكر والعلمانيين من بعده.وما يفعله الرئيس رجب طيب أردوغان، هو التغيير الممنهج لكسر الأتاتوركية للوصول إلى نظام إسلامي معتدل جديد، مستفيداً من التجارب الفاشلة التي وقع فيها أسلافه الإسلاميين، بالأدوات المتوفرة والتي يفهمها الغرب والعلمانيون عموماً، والتدرج بشعب رضع الأتاتوركية وعاشها منهجاً وحياة، فاستطاع خلال سنوات حكمه البسيطة نقل تركيا من دولة بسيطة بل وضعيفة، إلى دولة يُشار إليها بالبنان، وجعل منها دولة متقدمة اقتصادياً، ارتفعت معها شعبيته لدى المواطن التركي حتى بين من يخالفونه في التوجهات الإسلامية وغير الإسلامية، وسُئل أردوغان مرة كيف استطعت أن تحل مشاكل تركيا الاقتصادية في زمن قصير فأجاب ببساطة مختصراً الكثير من الكلام”: لم أسرق”وبعد تولّيه رئاسة الحكومة في آذار عام 2003، بفوز حزبه “العدالة والتنمية” الذي تمكّن من حصد غالبية مقاعد البرلمان، اعتمد أرودغان سياسية “تصفير الأعداء” أي لا أعداء لتركيا، فأعاد لبلده مكانتها في العالم، حيث بدأ بالداخل التركي، فمدّ يد المصالحة مع الأكراد ورفع شعار الحوار معهم، وانطلق إلى دول الجوار، فتصالح مع الأرمن بعد عداء تاريخي، وكذلك فعل مع أذربيجان، وبدأ يتَّجه إلى عمق تركيا العربي والإسلامي، ففتح الحدود مع سوريا ووطد علاقاته مع أغلب الدول العربية والإسلامية، بالإضافة إلى تثبيت جبهته الداخلية، وتقويتها بتحقيق التنمية المحلية في بلاده، وترسيخ مقومات الرخاء الاقتصادي والاجتماعي على أسس متينة.وسعى من خلال اللعبة الديمقراطية إلى السيطرة على جميع مؤسسات الدولة التركية ومرافقها، فتحقق لهذا الزعيم الإسلامي إحكام سيطرته على الرأي العام، بعد أن أضعف جميع معارضيه العسكريين والسياسيين والإعلاميين، فكسب “بائع البطيخ”، وهو ما عمل به عندما كان يافعاً، تأييداً شعبيّاً واسعاً في الداخل التركي والعربي والإسلامي.ولقد حازت مواقفه السياسية من القضايا الإسلامية ووقوفه مع الحقوق العادلة للشعوب الحرة في نفوس مؤيديه زعيماً تميل إليه القلوب، ولم يقف عند نقد ومحاربة إسرائيل ومقارعتها، ولا عن تبنّيه للثورات العربية، لاسيما في مصر وسورية، بل وجّه انتقادات لاذعة غير مسبوقة مؤخراً، للإدارة الأميركية، عندما وصف سياستها تجاه سورية بـ “الوقاحة”. ولم يتوانَ عن التهكّم على نائب الرئيس الأميركي جو بايدن بعد زيارته لتركيا وصده وعدم موافقته على طلباتهم بقوله للأمريكيين، “أودُّ أن تعلموا أنَّنا ضد الوقاحة والمطالب اللامتناهية” كما قال لهم: (لقد اكتفى الأمريكيون بأن يكونوا مجرد مشاهدين، عندما قتل الطاغية 300 ألف شخص.. بقوا صامتين أمام وحشية الأسد، والآن يتلاعبون بمشاعر الرأي العام الدولي حيال مصير كوباني -عين العرب).ورغم كل ما فعله أردوغان وحزبه من نهضة حقيقة في تركيا وانقلاب اقتصادي، إلا أنَّ المتربصين به كُثر في الداخل والخارج، وكثيراً ما حاولوا توريطه والإيقاع به، وكل معركة يخوضها أردوغان يراها المحللون بمثابة المعركة الأخيرة له، لكنَّه حين يخرج منتصراً يُدفع إلى معركة أخرى سريعاً.فلم يكن يخطر ببال الغرب أو الصهاينة أن يُهيئ الله للأمة التركية والإسلامية بشكل عام، من يعيد لها هيبتها وعزَّتها ونخوتها وينتشل عاصمة الإمبراطورية العثمانية من مخالب الغرب والصهيونية، ويعيد الأمور إلى نصابها، ويطهرها من براثن الساسة والعسكريين العلمانيين، ويخرج لها من رحم الخلافة الإسلامية ابنا باراً اسمه رجب طيب أردوغان.