غسان الجمعة
تعيش إيران و إسرائيل ظروفاً تاريخية وثقافية متشابهة إلى حدٍّ تجعل من كلٍّ منهما ظلاً للآخر، فهما يتشابهان في الخطوات الدبلوماسية والعسكرية، ويتبعان مدرسة المزاوجة بينهما في مواجهة الآخر، ويتسابقان في اتباع سياسات التغلغل والتمدد بشكل متجانس ومتوازٍ على الساحة الدولية والإقليمية.
في طبيعة العلاقة بين إيران وإسرائيل علينا أن نفرِّق بين الخطاب الاستهلاكي الشعبوي “الإيدلوجيا” وبين المحادثات والاتفاقات السرية “الجيوسياسية” مع الأخذ بعين الاعتبار أنَّ المحرك الأساسي للأحداث التي تدور رحاها على مصالحهما تكمن في مدى تلاقي العامل الأيد لوجي مع الجيوسياسي لكلا الطرفين.
إنَّ المعضلة الاستراتيجية التي تعاني منها إسرائيل هي تفوقها العسكري على محيطها الإقليمي وعزلتها السياسية والثقافية والتاريخية عن دول الجوار المحيطة بها، وهو ما تعاني منه إيران إقليمياً وحتى عالمياً، فكلاهما شرنقة ضارة تقتات على الشجرة التي تحملها بمعاداتها سياسياً وعسكرياً واقتصاديا لقيامهما على نظام عنصري طائفي يستعدي من حوله ليبرر عدوانه ويزعزع أمنه.
لقد اعتمدت الدعاية الإيرانية في صناعة سياساتها إزاء اسرائيل على التجييش الإعلامي عبر شعارها “الموت لأمريكا… الموت لإسرائيل” لكن باطن الأمر منافٍ تماماً لظاهره، فالوقائع والمتغيرات السياسية تدلُّ على تفاهمات ضمنية وتبادل مصالح تجمعهما في عدة نقاط ومحاور عبر بروغبندا تسلك طرق مختلفة، لكنَّها تصب في أرضية المصالح المشتركة لكليهما، ويمكن إيجازها بما يلي:
– إنَّ اليهودية في إسرائيل هي أداة تجييش وحشد لليهود لمساندة إسرائيل في أطماعها التوسعية والعنصرية، كما أنَّها تبتز دول العالم لكسب استعطافها ومساعداتها بالمحرقة اليهودية، أمَّا إيران فهي تستخدم المذهب الشيعي كأداة تجييش ودعم لنظام حكم الملالي وكأداة توسعية في محيطها، وتثير بشكل مستمر مظلومية الحسين وآل البيت لتطويع أكبر كمٍّ من القوة المادية والبشرية لخدمة مشروعها الفارسي،
فكلاهما يستخدم العامل الديني كقميص عثمان لتحقيق هدفه الاستراتيجي.
– محاربة الإرهاب من وجهة النظر الإسرائيلية هي مواجهة الشعب الفلسطيني أو أي تغير حقيقي في أنظمة الحكم العربية يهدد مصالحها.
وكذلك الأمر بالنسبة إلى إيران، فهي تقف في مواجهة أي تحرك يشكل تهديدا لأذرعها في المنطقة.
فكلاهما يعتمد على هذه الشماعة لدعم سياساته ومخططاته الاستراتيجية، وغالباً ما تلتقي مصالحهما في المنطقة العربية، كما يحصل الآن في سوريا عبر دعم نظام الأسد.
– مبدأ التوتير المضبوط، أو اللاحرب واللاسلام، فإسرائيل وإيران تعتمدانه بشكل كبير في المنطقة لتحقيق مكاسب سياسية و اقتصادية وعسكرية، وتبرع إيران ظاهرياً في هذا المبدأ مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي لاعتبارات كثيرة داخلية وخارجية “وإن كانت تحصل على ما تريد من تحت الطاولة”
– تفتيت المجتمعات العربية من الداخل يعتبر أولوية لكلا المشروعين الإيراني والإسرائيلي، فإيران تبعثر سياسياً الحكومات العربية إلى ممانعة ومهادنة ومعادية، بينما تلعب اجتماعيا على خرق النسيج العربي بسمِّها الطائفي والمذهبي،
وهو ما تنتهجه إسرائيل سياسياً واجتماعياً، فهي ترغب باتفاقات وتفاهمات منفردة مع الدول العربية، ولا تدَّخر جهداً في إثارة النعرات الطائفية والعرقية لهذه الدول.
– لا تنظر إسرائيل وإيران إلى التطور والنمو التركي بعين الراحة، فالأولى لا ترغب بدولة قوية ذات تأثير في المنطقة، كما أنَّها تريد كسر عزلتها الإقليمية بإجبار العرب على إقامة علاقات معها كطرف ضامن للتوازن العسكري ورادع لأي خلاف قد ينشأ (إيران – الخليج) حسب وجهة نظرها في المنطقة.
أما (إيران) فهي لا تريد دولة قوية تعتنق المذهب السني (من منطلق نظرتها السياسية) ضمن نطاق أطماعها الجيواستراتيجي، كما أنَّ لدى طهران عقدة نفسية تاريخية تجاه علاقاتها مع تركيا قوية.
إنَّ المشروع الإيراني و الإسرائيلي طرفا مقص لا يمكن لأحدهما إنجاز مهمته دون التنسيق مع الآخر بكل حركة، وتحكم علاقتهما المصلحة في الهيمنة على المنطقة العربية ونهبها وتحطيم ثقافتها وهويتها العربية والإسلامية، وإن كان المشروع الإيراني أخطر وأعمق بسبب الضبابية والتقية السياسية التي تتبعها إيران، في حين إنَّ مجتمعنا العربي لديه مناعة تلقائية لكل ما يمت بإسرائيل بصلة.