د. وائل شيخ أمين |
من الأمور المرهقة للفكر أنك عندما تتأمل في التاريخ ترى عصورًا كثيرة كان البشر فيها عبيدًا أذلاء لكنهم ما كانوا يتألمون من ذلك! ولا كانوا يعملون على تغيير واقعهم، بل كانوا متكيفين مع وضعهم الذي وُلدوا ليجدوا أنفسهم وآباءهم فيه، وربما كلمة (متكيفين) غير دقيقة؛ لأنهم كانوا يظنون أن وضعهم السيء ليس وضعًا سيئًا بل هو الوضع الطبيعي.
على سبيل المثال كان من معوقات انتشار الإسلام في الهند أن الإسلام يساوي بين البشر، فوجد الهنود أن هذا الطرح غريب وغير صحيح. لم تستطع الطبقات الدنيا في الهند أن تصدق أنها على السوية نفسها مع بقية الطبقات التي تعلوها!
وكذلك في شتى أصقاع العالم كانت المرأة مضطهدة وكان يُنظر إليها على أنها دون الرجل في المكانة، بل بعض الفلاسفة قال: إنها في منزلة بين الإنسان والحيوان!
أعتقد أن النساء في تلك الأزمنة وفي تلك البلدان كانت تُصدّق ذلك وتتعايش معه على أنه أمر طبيعي حقيقي، ولذلك استطاعت أن تتحمله إلى حدٍّ كبير.
ربما كان وعيها بأنها تُعادل الذكر سيُتعبها جداً، هذا إن كان قد خطر لها ذلك أصلاً.
وهنا يصدق قول الشاعر:
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله … وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم
ما يرهق الفكر أنه ربما سيأتي زمان في المستقبل يقرأ فيه أبناؤه عنا فيضحكون منا كيف كنا نقبل بالواقع الذي نعيشه! واقع يرونه عجيبًا ونراه طبيعيًّا!
ربما سيسخرون من فكرة الدولة المسيطرة، ربما سيسخرون من فكرة الشركات العابرة للقارات، ربما سيسخرون من فكرة الديمقراطية، ربما سيسخرون من تصميم المدن العجيب، ربما سيسخرون من فكرة المدارس النظامية، ربما سيسخرون من النظرة المادية الشهوانية للإنسان، ربما سيسخرون من مصادر تلقي الكثير من البشر للمعلومة، وغالباً سيسخرون ويتعجبون من أمور أخرى نراها اليوم طبيعية ولم يخطر في بالنا حتى إعادة النظر فيها!
أن تستعلي على واقعك، وتنظر إليه وأنت منفصل شعورياً عنه لتقيمه أمر في غاية الصعوبة، لكنه عندما يحدث فربما تتغير حركة التاريخ كلها.