د.وائل الشيخ أمين |
من المغالطات المنطقية التي يستعملها الملاحدة في هجومهم على الدين قولهم:
“بما أن الدين يتحدد حسب الجغرافيا، وكل واحد في هذه الدنيا سيعتنق الدين الذي عليه أهلوه غالباً، فهذا يعني أن الله غير موجود!”
وهذه مغالطة تنكشف مع أول تمحيص خفيف، فالمقدمة، إن صحّت، فهي لا تؤدي إلى النتيجة.
فلا علاقة إطلاقاً بين وجود الله سبحانه وبين الانتشار الجغرافي للأديان، فالحق لا يتعدد، وبما أن عقائد هذه الأديان مختلفة فيما بينها فهذا يعني أن واحداً منها فقط على حق وما تبقى على باطل أو أن جميعها على باطل.
لكن لو ثبت وجود الله وثبتت حكمته، فهذا يعني أن أحد هذه الأديان بلا شك هو دين حق.
أما أن تقول: إن كثرة الأديان دليل على عدم وجود الله فهذا لعب وخفة عقل.
لكن لسائل أن يسأل سؤالاً يستحق الوقوف معه والإجابة عليه: “لماذا يخلق الله جنة وناراً، ثم يخلق لهذه أقواماً ولهذه أقواماً؟! لماذا يخلق الله أناساً ليعذبهم؟! أين العدل في هذا؟!”
فنقول: تأكد أخي أن الله سبحانه وتعالى الذي وصف نفسه بالرحمة، لم يخلقنا ليعذبنا، بل ليرى مَن منّا أحسن عملاً، فيجازيه بعمله، وأن كل شخص منا يدخل هذا الاختبار في الدنيا بمعطيات مختلفة تماماً عن الآخر، فكل شيء بين البشر يتفاوت.
وكثير مما نحن عليه في هذه الدنيا لم يكن لنا اختيار فيه، أجسامنا، أصواتنا، أوطاننا، أعراقنا، أسرنا، ديننا الأول، المستوى المعيشي لأهلنا، المستوى الحضاري لدولنا، عصر الحرب والسلام، وغير ذلك من الأمور العظيمة الأهمية على مستوانا الشخصي وعلى مستوى العالم الذي ولدنا لنجد أنفسنا فيه، كل ذلك لم نكن نمتلك فيه الخيار.
واعلم أن: كل ما ليس لك فيه خيار لن يحاسبك الله عليه، ثم إن الله الذي وضعنا في هذا الاختبار أعطانا عقلاً وأمرنا أن نفكر فيه، وأودع فينا صوتاً داخلياً وعاطفةً تشدنا إلى الحق وهي الفطرة، وأعطانا حرية الاختيار وأمرنا أن نختار الحق حيث كان ونسلكه، ثم يأتي يوم القيامة ليحاسب الله كل واحد منا على سعيه إلى الحق والتزامه به، يقول تعالى: “وأن ليس للإنسان إلا ما سعى” سيحاسبنا على إيماننا الذي اخترناه، لا الذي ورثناه! فنحن نعلم أن الله قد أنكر كثيراً على اتّباع عقيدة الآباء والأجداد، بل أمر كل واحد فينا أن يعمل عقله بحثاً عن الحق، فإن كانوا على الحق التزم وإلا سار وراء الحق. “إني ذاهب إلى ربي سيهدين”
ونحن نؤمن أن الحساب يوم القيامة سيكون حساباً خاصاً لكل فرد بمفرده، فكل إنسان منا له قصة مختلفة، وسيكون له مع الله وقفة خاصة، ولن يكون الحساب بالجملة، حسب الأسماء والشعارات وما شابه.
يقول الله تعالى: “وكلكم آتيه يوم القيامة فرداً” ويقول صلى الله عليه وسلم: “ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان” متفق عليه.
والمحاسب، سبحانه وتعالى، يعلم سر الإنسان وجهره، ويعلم سعي الإنسان في طلبه للحق والتزامه به حين تبيّنه أو نكرانه له.
أنت قصةٌ وحدك، فلا تقلق طالما كنت تبحث عن الحق وتتبعه، فالله مطلع عليك في كل لحظة، وهو في عون الصادقين، ولا تخش الضلال ما دمت تبحث بقلب سليم، ولا تخش العذاب ما دمت تلتزم الحق كلما ظهر لك.
أما الخطر كل الخطر فهو أن يتبين لك الحق ثم تتنكر له كبراً وعلواً، عندها ربما يختم الله على قلبك ويغلق في وجهك سبيل الهداية.
يقول تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ “والكافر هو من تبين له الحق فأنكره.
كلما أشكل عليك أمر الجنة والنار، ومن هم أهلها؟ تذكر هذه القواعد:
(وما ربك بظلام للعبيد) (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً) (وكلكم آتيه يوم القيامة فرداً).
وأخيراً: لا تنسَ أنت قصةٌ وحدك. ستحل لك هذه الكلمات الكثير من المشكلات.