عبد الملك قرة محمد
ما بين فرحٍ بالخروج من المحرقة وبين حزنٍ على فراق أرض حلب خرج الصامدون يراودهم حلم العودة لتلك المدينة الجميلة القديمة التي لم يبقَ فيها سوى الذكريات والأطلال والأحلام والحجارة المدمرة.
لم يوفّر الاحتلال الروسي والإيراني ومن معه من الميليشيات الشيعيّة والأفغانيّة أي وسيلةٍ من وسائل الضغط على شعب حلب فبعد القصف العنيف والدمار الهائل في المنازل والمدارس والإعدامات الميدانيّة بحقّ الأطباء والمدرّسين والمدنيّين قامت الحواجز الخاصة بالاحتلال الروسي والإيراني والتي انتشرت على طريق الخروج من حلب بعمليات نهبٍ وسرقةٍ واسعة بحقّ المدنيين فلم تترك معهم ما يعينهم على تحمّل عبء النزوح وآلامه فخرجوا من الموت إلى المجهول.
توزّع سكان حلب المهجرون على قرى وبلدات ريف حلب الغربي لا سيما مدينة الأتارب التي تعدّ مركز الريف الغربي إضافة إلى انتشار واسع للأهالي في القرى والبلدات المحيطة بها وذلك تحت إشراف المجالس المحليّة والمنظمات الإنسانيّة العاملة في الداخل السوري والتي كانت مهامها تأمين المكان المناسب لإقامة الأهالي إضافة إلى توفير وجبات غذائيّة خلال فترة عدم الاستقرار الأولى.
صحيفة حبر زارت مجلس مدينة الأتارب بعد ساعاتٍ من وصول الدُّفعات الأولى من مهجري حلب والتقت الأستاذ محمد شاكردي مدير مكتب الموارد البشرية في المجلس.
- كم عدد العائلات التي وصلتكم بعد خروج الدفعات الأولى من أهالي حلب؟
نحن نقدّر عدد العائلات التي يمكن أن تستوعبها مدينة الأتارب بما يقارب الألف عائلة وقد وصلت إلى الأتارب 250 عائلة حتى الآن والعدد في تزايدٍ مستمر مع استمرار وصول القوافل.
- ما الأماكن التي ستستقبلون فيها أهالي حلب وهل هي مجهزة بالخدمات الضرورية؟
لقد قمنا بتوفير 70 منزلاً مجانياً وتتوفر في كل منزلٍ المياه المجانية والخدمات الأساسية إضافة إلى سبعة مراكز للإيواء بدعم من المنظمات وقد تمّ تجهيز مركزين بالفرش والخدمات الضروريّة كالوجبات الغذائيّة والخدمات الطبية والسلال الإغاثية التي تحتوي على بعض المواد الغذائية ومستلزمات النظافة الضرورية.
- هل هناك مشاكل تواجهكم خلال حملة الإيواء؟
واجهتنا صعوبةٌ كبيرة في لمّ شمل العائلات مع بعضها نتيجة وصول عدد كبير من العائلات دون معيل وبشكل متفرق إضافة إلى صعوبة تجهيز مراكز الإيواء بالتدفئة والإنارة كما نعاني من تأخر المنظمات الإنسانيّة بتوفير مستلزمات المراكز حتى وصول الأهالي.
يشهد الريف الغربي ازدحاماً سكانياً خاصة بعد حركة النزوح الأخيرة لأهالي حلب وسابقاتها من حماه وريف حلب الجنوبي ويحاول الأهالي بالتعاون مع المنظمات والمجالس استقبال أكبر عددٍ ممكن من النازحين.
وفي بلدة معارة الأتارب في ريف حلب الغربي التقت صحيفة حبر رئيس المجلس المحلي في البلدة الأستاذ محمد قدور عمر للحديث عن الجهود المبذولة لاستيعاب أهالي مدينة حلب في البلدة وطرحنا عليه ذات الأسئلة.
الأستاذ محمد قدور عمر قال: نحن مستعدون لاستقبال 400 عائلة ووصل للبلدة ما يقارب 70 عائلة حتى الآن وتمّ تجهيز عددٍ من الأماكن لاستقبالهم كالمساجد والمنازل ونقوم بتوزيع الإغاثة كما قمنا بتوفير بعض المستلزمات من أهالي البلدة لتقديمها عند الساعات الأولى لوصول المهجرين وتمّ توزيع 39 مدفئة بدون وقود كما نعاني من قلة اللباس وضرورة توفرها نتيجة خروج الأهالي من حلب دون حمل ملابسهم أو بسبب سرقة أمتعتهم من قبل الحواجز المنتشرة على طول الطريق كما تواجهنا مشكلةٌ أخرى وهي عدم توفّر إثباتٍ للشخصية عند بعض الأهالي وهذا ما يخلق بعض المشاكل مع المنظّمات الإنسانيّة.
زارت صحيفة حبر عدداً من مراكز الإيواء المنتشرة في ريف حلب الغربي والتقت مع الأهالي واستمعنا لأهمّ مشاكلهم ورغباتهم.
يقول أحد المهجرين ” كان الاستقبال جيداً لكنّنا نعاني من نقص التدفئة والإنارة والملابس خاصة أنّنا خرجنا دون حمل أيّ شيء ونحن الآن لا نملك ما يعيننا على إكمال حياتنا.
ويقول آخر: “أريد أن أذهب وعائلتي إلى الريف الشمالي حيث المنطقة آمنة لأنّ هذه المنطقة خطرة وأنا لا أريد أن أكرّر ما جرى معي في حلب وما يمنعني من الذهاب هو أنّي فقدت هُويّتي في حلب وأخاف من المرور على الحواجز الكرديّة ولكنّي سأحاول الذهاب عن طريق الأراضي التركيّة ولأنّني لا أملك التكلفة الماليّة اللازمة ربّما أضطر للانضمام لقوات درع الفرات!!”
المجالس المحلية في ريف حلب تبذل قصارى جهدها لتأمين مستلزمات سكان حلب رغم ضعف الموارد المتاحة لكن الجهود المبذولة من قبل الأهالي والمجالس خففت كثيراً من آلام النزوح على أهالي حلب الذين يعدّون حلم العودة أوكسجين حياتهم الحالية وسيعودون وستصغي الأجيال يوماً إلى وقع الخطا عند الإياب.