تقرير: عمر عرب
ما إن خيم الحصار على مدينة حلب المحررة ودخلت في أول أبوابه ضمن سياسة التجويع التي يتبعها النظام في حربه، تغلغلت بين الناس حالة من الخوف والقلق والترقب مما هو قادم، وباتت المشاكل والهموم تثقل عاتقهم أكثر مما كانت عليه، فلم يعد همهم قصف الطيران وغاراته والاشتباكات الحاصلة، ولم تعد غلاء الأسعار مشكلة مستعصية، لكن أصبح زيادة على كل ذلك هو تأمين المواد التي يحتاجونها لبقائهم، أهمها الغذائية والطبية، خاصة بعدما رأوا تجارب غيرهم من المناطق في الحصار وماذا حل بهم، و ذلك في ظل محاولة أغلب المنظمات والجمعيات تدارك الوضع الداخلي من خلال وضع خطوات وآليات عمل لتنظيم الجهود داخل المدينة سواء من الجانب الإغاثي أو من النواحي الخدمية للمدينة، الأمر الذي من شأنه يعتبر خطوة فعالة في تدارك الوضع خاصة إذا طالت مدة الحصار.
من بين الجمعيات التي كان لها دور فعال في هذا المجال جمعية “شباب ساعد” التابعة لمنظمة بنيان، التي آثرت بدورها القيام بعدد من الخطوات والمشاريع الهادفة لتدارك الوضع الحالي، حيث قامت بعملية تأمين البذار من أجل زراعة الخضروات في المدينة ضمن أراضٍ تكون صالحة للزارعة، وتقديم الدعم للمزارعين الذين لديهم أراضٍ داخل المدينة، وهذا المشروع يساهم في تخفيف وطأة وصعوبة الحصار على الناس المحاصرين في المدينة.
الأستاذ أحمد قطان مدير جمعية ساعد حدثنا عن آلية العمل والخطوات التي يقومون بها من أجل تقديم المساعدة للناس في ظل هذه الظروف الصعبة حيث قال: “نحن بدورنا كجمعية شباب ساعد نبذل ما بوسعنا ونحاول التنسيق مع باقي المنظمات والجمعيات ومجلس المدينة، منذ فترة حضرنا اجتماع وقررنا من خلاله إيقاف توزيع المواد الغذائية لمدة شهر كامل؛ كي نرى ما هي الظروف الطارئة التي ربما تحدث، وبدأنا العمل على الاستفادة من تجارب حصار المدن الأخرى كالغوطة والوعر وتمكنهم حتى الآن من البقاء والصمود، فمن أهم الخطوات التي يجب العمل عليها الزراعة المنزلية، وذلك يتم من خلال تأهيل أماكن صالحة للزراعة، وسيتم ذلك العمل بنسبة 60% عن طريق مجلس المدينة المنتخب كهيئة تمثل مدينة حلب.”
وتابع قوله: “دورنا يتجلى بتأمين المواد اللازمة وترشيد استهلاك المواد الغذائية، ومنذ فترة خمسة شهور نحن كنا موقنين أنه ربما نصل إلى هذه المرحلة من الحصار، لكن لا يمكننا تخزين هذه المواد وبكميات كبيرة “الخضروات” لأنَّها مع مرور الوقت تتلف وتصبح غير صالحة للاستهلاك، المواد الجافة لا بأس بتخزينها والكل يعلم ذلك، ونحن قد قمنا بتوزيع جزء من المواد المخزنة خاصة في رمضان شهر الخير، فنسبة كبيرة من المنظمات والجمعيات في مدينة حلب استهلكت جزءا كبيرا من الاحتياطي الموجود لديها وذلك لسببين: الأول أنَّ الحصار لم يكن محتماً، والثاني مراعاة لوقت صلاحية المواد الغذائية، وحالياً الرؤية المستقبلية هي التوجه نحو الزراعة المنزلية والاعتماد على الإنتاج المحلي.”
ونوه الأستاذ قطان إلى أنَّ إدارة الحصار هي ثقافة تعتمد على الوعي والتقنين، وأنَّ هذا الوضع ربما يستمر لوقت أطول، ويجب على الجميع التعامل مع وضع الحصار بشكل صحيح والتقنين في استهلاك المواد الغذائية، والاعتماد على المواد الجافة منها، أي التعايش مع الوضع على أنَّه حالة طبيعية، ومعرفة التعامل مع المتغيرات الحاصلة.
كما أشار إلى أنَّ هناك تواصل فعال مع المنظمات والمجالس في المناطق المحاصرة؛ لمعرفة الأمور الناجحة وغير الناجحة، وهناك من قام بالتجارب، فنحن بدورنا لا نجرب كل شيء، وهذا يعتبر القسم اللوجستي الذي نقوم به، لكن الصعوبة تكمن في أنَّ مدينة حلب مدينة لا يمكن مقارنتها بالغوطة التي هي ريف يحتوي على أراضٍ زراعية، لكن مع ذلك العمل قائم على الزراعة بشكل رئيسي.
واردف قائلا: “الزراعة المنزلية ستبدأ في الأيام القلية القادمة، والعاملين في منظمة شباب ساعد وعدد من المنظمات الأخرى يعملون على تجهيز المواد من أسمدة وبذار، وعلى أساسها سيتم توزيعها على المدنيين، بحيث يستطيع كل شخص تأمين الاكتفاء الذاتي في وقت تعتبر فيه الزراعات الصيفية متعددة ومتنوعة، وهذا المشروع سيحل جزءا من المشكلة التي يعيشها السكان، ولا يخلو المشروع من عوائق أهمها مسالة توفر المياه المرتبطة بالكهرباء، لكن في الوقت الحالي المياه متوفرة، إضافة إلى الصعوبة في تأمين المواد اللازمة.”
قطان بين أنَّ اعتمادهم كان على الثروة الحيوانية والدواجن بريف مدينة حلب ضمن عدة مشاريع” كمشروع تسمين خراف وتسمين دجاج” ومثل هذه المشاريع من الصعب تنفيذها في المدينة، لكن إذا ما تحسن الوضع سيكررون التجربة على نطاق صغير في المدينة.
وختم حديثه بقوله: “نحن ندعو الناس للصبر والثبات، فسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قد حوصر لثلاث سنين، وكل ذلك له أجره عند الله، لكن المطلوب حالياً أن نكون جميعنا على وعي أنَّ هذا امتحان من عند الله تعالى، وألا نسمح لأنفسنا بالطمع والاحتكار، وأن نكون على قدر المسؤولية.”