تقرير محمد ضياء أرمنازيبرع أجدادنا المسلمون في عمل الكمائن وزرع الأفخاخ العسكرية لأعدائهم في جميع حروبهم مع المشركين، وقد عملوا على الأخذ بجميع أسباب النصر، فانتصروا في غزوة الخندق عندما حفروا خندقاً كبيراً أمام جيش المشركين والذي كان سبباً مهماً لانتصارهم في تلك الغزوة التاريخية.لكن لماذا لم تعطِ معظم الفصائل العسكرية الثورية أهمية كبيرة للتفخيخ والتلغيم بكثافة دفاعية مؤثرة كتكتيك عسكري دفاعي، كما فعلت معظم الجيوش الشعبية والنظامية في حروبها الدفاعية؟وهل كان هذا التقصير سبباً مهما في التقدم السريع للقوات الغازية في معظم الجبهات؟ولمعرفة حقيقة هذا الاستنتاج أجاب القائد العسكري في لواء الإسلام أبو يوسف شوبك قائلاً: “التلغيم أمر مهم جداً في الحروب الدفاعية ويفيدنا بنسبة 60% في صد أي تقدم لقوات العدو لكن، وللأسف لم تهتم له معظم الفصائل، وكان هناك استهتار كثير في التلغيم والتفخيخ مرده لعدة أسباب: أولاً ندرة وجود المواد الأولية، وثانياً غلاء ثمنها، وثالثاً للأسف لم نستغل الخبرة الكبيرة عند الضباط المنشقين عن النظام.لكن يوجد عندنا خبراء تلغيم وتفخيخ، وعندنا ورشات لتصنع الألغام الفردية والألغام الكبيرة للآليات والمدرعات، لكن يوجد عندنا نقص حاد في المواد الأساسية ك (تي إن ت) و(الآر تي إكس) ولا يوجد تعاون عسكري بين الفصائل في هذا المجال، وللأسف هناك فصائل تمتلك كميات كبيرة من هذه المواد المتفجرة، وفصائل أخرى لا تملك سوى كميات قليلة منها، فلو كان هناك تعاون بين هذه الفصائل لنجح الأمر، لكن التعاون قليل في هذا المجال ونسبته حوالي 10% فقط.في جبهاتنا القديمة وصلت نسبة التلغيم فيها إلى 100% وخصوصاً مناطق الأبنية، لكن بعض الجبهات لا يوجد فيها أي تلغيم باعتبارها جبهات حديثة ولا مجال فيها للتلغيم.فعندما نأتي إلى أي جبهة جديدة تقوم مجموعة من سرية الهندسة بالكشف السريع في المنطقة، وبعد تحديد أماكن التلغيم والتفخيخ، يُرسل بطلب جلب هذه المواد وتتأخر بسبب قلة الأموال ويتأخر شراء المواد اللازمة فيكون النظام قد تقدم أو تقدم المجاهدون فتتغير طبيعة الأرض ولا يتم التلغيم ونعود إلى نفس المنوال.”وقد أخذنا أيضاً رأي الخبير العسكري العقيد الطيار مصطفى بكور، ليوضح لنا أهمية التلغيم والتفخيخ في الحروب الدفاعية، والذي أفادنا قائلا:”يعتبر التفخيخ والتلغيم واسطة أساسية من وسائط التأثير على العدو أثناء التنقل والمسير، وتستخدم الألغام عادةً لحماية المواقع والنقاط المهمة من هجوم القوات المعادية، حيث تزرع حقول الألغام بطريقة هندسية مدروسة بحسب طبيعة الأرض، وتكمن فائدة الألغام في منع جنود العدو من دخول منطقة مهمة، كما يمكن استخدامها أيضاً للتأثير على طرق سير جنود العدو، وبتجنب الألغام يمكن إجبار العدو على اتخاذ طريق معينة ليكون هدفاً سهلاً، والغرض الأساسي من اللغم هو حرمان العدو من استخدام الأرض لتحركاته، وتقوم بذلك مجموعات الهندسة بعد عمليات الاستطلاع والمراقبة وتحديد الطرق والمعابر التي يتوقع أن يسلكها العدو أثناء تنقله، وتستخدم الأشراك أيضا ضد الأفراد المترجلين، ويمكن استخدام الألغام المُتحكم بها عن بعد أو الألغام المغناطيسية والألغام التقليدية.وقد عمل الثوار على التفخيخ وزرع الألغام منذ بداية الثورة، وتمَّ استخدام التلغيم في أماكن عديدة في جبهات النظام، وتمَّ تحقيق إنجازات مهمة.أمَّا موضوع تلغيم الطرقات والمعابر فهو عمل خطير جداً، بسبب تحرك المدنيين والخوف عليهم من تأثير الألغام، أمَّا النظام فلا يهمه من يصاب من المدنيين، ولذلك فهم يستخدمون الألغام بكثرة لحماية حواجزهم من تسلل الثوار إليها، لكن من وجهة نظري العسكرية أرى أنَّ التفخيخ والتلغيم يقوم به المدافع وليس المهاجم، لأنَّ الألغام من الأسلحة الدفاعية.ولا تقوم الفصائل الثورية بالتفخيخ والتلغيم أثناء خوضها المعارك الدفاعية لأنَّ الإمكانيات الكبيرة لدى النظام في التعامل مع حقول الألغام يجعلها قليلة الفعالية، حيث يغلب فيه استخدام الألغام المُتحكم بها عن بعد والتي تتطلب تقنيات عالية لا توجد في كثير من الأوقات لدى الثوار.لكن -وبسبب ضعف الإمكانيات المادية عند الثوار-اقتصر موضوع التلغيم على زرع بعض العبوات الناسفة لاستهداف آليات العدو وليس لحماية مواقع مسيطر عليها، لأنَّ كافة المواقع التي يسيطر عليها الثوار يعتبرونها منطلق باتجاه مواقع جديدة، وبالتالي يتركونها خلفهم باعتبارها مناطق تمَّ تحريرها، أعتقد أنَّ الاهتمام بالتجهيز الهندسي ومنه التلغيم يعتبر أمراً مهما في خوض العمليات العسكرية، وتساعد في صدِّ هجمات قوات العدو وتأخير تقدمها على جميع الجبهات.”ويجدر بنا نهاية أن نذكر بأن كتائب عز الدين القسام في غزة المحاصرة تمكنت من منع تقدم الجيش اليهودي على الرغم من عدم توفر الصواريخ المضادة للدبابات وأنهم استطاعوا إيقاف تقدم الآلة العسكرية الحديثة على الرغم من قصف الطيران المكثف، السبب الرئيسي هو وجود الأفخاخ الكثيرة والألغام المتنوعة من فردية وموجة، ومن خلالها استطاعوا إيقاف أكثر جيوش العالم تطوراً.