وسام العسير
صرَّح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب متناولا القضية السورية بأنَّه سيعمل على إنشاء منطقة آمنة في سوريا، ويبدو أنَّ ترامب بهذا التصريح يريد أن يقدم لنا وصفة قديمة لم تطبَّق تهدف من منظوره إلى وقف موجات النزوح التي تنطلق من سورية باتجاه الولايات المتحدة وأوروبا والدول المجاورة لسورية كالأردن وتركيا ولبنان، خاصة وأنَّه يعالج حاليا مشكلة الهجرة والمهاجرين.
هذه المنطقة (الآمنة) لا شكَّ أنَّها مختلفة نوعا ما عن أخواتها التي كان يطالب بها الثوار والدول الصديقة للشعب السوري، تلك التي تعتبر خطوة أولى لإسقاط نظام الأسد كما كان الشأن في ليبيا وفي مدينة بنغازي بالتحديد، فالهدف من هذه المنطقة استيعاب أكبر عدد من اللاجئين الذين انقطعت بهم السبل وفروا من جحيم الأسد والموت الدائر في سوريا.
تلقى الجانب الروسي تصريح ترامب بصدر رحب، فلم يرفض المناطق الآمنة، لكنَّه اشترط موافقة الحكومة السورية لحفظ ماء وجه هذه الأخيرة، خاصة أنَّها صارت رِجلَ كرسيٍّ في الوطن السوري، وأجيرٍ يلبي طلبات (المعلم) الذي يديره، كما أنَّ روسيا أكَّدت ألا يتجاوز هذه المنطقة الجانب الإنساني للاجئين، وأن تُسندَ المهمة إلى الأمم المتحدة، ويبدو أنَّ روسيا تريد الأرض السورية أرضا عسكرية حتى احتلال آخر شبر منها، ولا تستطيع أن تفصل بين الأغراض الإنسانية والأغراض العسكرية!
ولا نكون مجانبين للصواب إن قلنا: إنَّ تركيا والأردن دولتان مهمتان إذا ما تحدثنا عن المناطق الآمنة في سوريا، وقد رحبت تركيا بالفكرة متحفظة على بعض النقاط، فهي الآن تحمل عبئا ثقيلا، وتعمل على التقارب مع روسيا، إضافة إلى سعيها الحثيث في أن تصل قوات (درع الفرات) إلى مدينة الباب معقل تنظيم الدولة الأخير في الريف الشرقي لمدينة حلب قبل وصول الجيش السوري إليها، وتركيا الآن ترى في نفسها الممثلة للوجود السني في الشمال السوري والحائط الذي تتكسر عليه الحركات الكردية الإرهابية.
أمَّا الأردن الملاصق للجبهة الجنوبية النائمة منذ أكثر من شتاء، فقد سعى بشكل مباشر إلى لقاءات روسية أردنية بموافقة أمريكية من أجل اتفاقية وقف إطلاق النار غير المشهرة التي تشبه الزواج العرفي، وربَّما كانت هناك لقاءات مع النظام السوري وموافقة منه، وهذا ما يريح الأردن ويجعله يضع أقدامه في مياه باردة، لأنَّ أي سيناريو مشابه لسيناريو ومأساة حلب يعني موجات نزوح كبيرة لا يستطيع النشامى استيعابها ولا تستطيع النخوة الهاشمية تقبلها، كما تقبلها الأخوة العثمانيون الجدد.
الأحداث تتسارع على الأرض السورية، وعجلة المفاوضات بين صدٍّ وردٍ، وقد تمَّ التوافق في أستانا على وقف إطلاق النار، وبارك مجلس الأمن هذه المخرجات، أمَّا عصابات الأسد فهي تواصل إجرامها العملي غير ملتفتة إلى ما توقعه على أوراق وما تتعهده أمام الكاميرات، والسؤال الذي يردده السوريون بعد تصريح السيد الرئيس ترامب: هل يمكن أن تحلَ المناطق الآمنة جزءًا من معاناة السوريين التي طال عليها الأمد وبشار الأسد على كرسيه في دمشق؟!