غسان الجمعة
الكتاب مائدة العقل والروح، وما القراءة إلا سياحة للعقل البشري بين رياض الحاضر وآثار الماضي وبقاياه وآمال المستقبل، وفيها قال عباس محمود العقاد: “لست أهوى القراءة لأكتب، ولا أهوى القراءة لأزداد عمراً في تقدير الحساب، وإنَّما أهوى القراءة لأنَّ عندي حياة واحدة، وحياة واحدة لا تكفيني، والقراءة دون غيرها هي التي تعطيني أكثر من حياة لأنَّها تزيد هذه الحياة من ناحية العمق.”
فكثيراً ما نرمي نحن كمجتمع عربي تجاهلنا للكتاب وللقراءة بحجارة ضغط العمل، وصخب الحياة، وضيق الوقت، ودخولنا لعصر السرعة والأنترنت متجاهلين أنَّ ركائز نهضتنا التي ننشدها مدفونة بمقابر الكتب، كما أنَّ هناك لوناً آخر يبرر عدم قراءته بلقمة العيش والفقر، في حين إنَّ الجميع يعلم أنَّ ما وصلنا إليه من انقسام وتخلف يعود إلى فقرنا العلمي والثقافي و عزوفنا عن تعزيز مداركنا الثقافية وتبادل وجهات النظر فيما بيننا سواء بالردود الأدبية أو النقدية أو العلمية أو جلسات النقاش والحوار، فأفرغنا هذه الساحة للجهل والحرب والتخلف والانقسام.
لو تخلصنا من تلك العقد النفسية التي نقيد بها عقولنا حول فكرة هل من الممكن أن أقرأ أنا؟ لما بقينا مغيبين وهائمين على وجوهنا تتجاذبنا ثقافات الأمم والحضارات الأخرى بين التقليد والحاجة والفاقة.
يا أمة اقرأ: إنَّ تحديد الهدف من القراءة هو عنصر أساس في زيادة فاعلية القراءة، وما يتحصل منها من ثمرات، لكن كثيراً منَّا لا يقنع نفسه قبل أن يبدأ القراءة لماذا أقرأ؟
لقد أجمع علماء النفس أنَّ الإنسان يجب عليه أن يربط ما يريد أخذه كعادة بحاجة من حاجاته الأساسية، فالاستيقاظ باكراً ليس عادة فينا، إلا أنَّه أمر مرتبط بحاجة أساسية وهي “العمل” ممَّا يدفعنا للالتزام بالاستيقاظ المبكر الذي يتحول مع الوقت إلى عادة.
فكلُّ إدراك عقلي مهما كان نوعه لا يصبح محل تطبيق إلا عندما يكون مرتبطاً بشكل وثيق بحاجة من الحاجات الأساسية التي أوردها العالم الأمريكي أبراهم ماسو في نظريته عن سلم الحاجات التي مع مرور الوقت سوف تتحول تدريجياً إلى أعلى مستويات هذا السلم بحسب الدافع المرتبط بها.
لقد كانت التقارير الدولية تصف إحصاءات ومعدلات اليونسكو عن المنطقة العربية بالمتدنية، بينما وردت العام الماضي هذه التقارير بالإحصائيات المخجلة نفسها عندما كشفت أنَّ الطفل العربي يقرأ سبع دقائق سنوياً، بينما الطفل الأمريكي يقرأ ست دقائق يومياً، ويشير تقرير آخر إلى أنَّ الفرد في المجتمعات العربية يقرأ ما معدله ربع صفحة سنوياً، في حين كان متوسط قراءة الفرد الأوروبي هو 200 ساعة سنوياً.
إنَّ هذه المشكلة ليست وليدة سبب معين، لكنَّها جزء من الأزمة الحضارية الشاملة لأمتنا، فالقراءة ظاهرة حضارية، وهي الوسيلة الأولى لاكتساب المعرفة، وحتى نبدأ القراءة سنظل نغطُّ في سبات عميق، ونعيش في معزل عمَّا يجري في العالم، وما يحيط بنا من أشياء.