علي سندة |
نعم، إدلب ستقول لكم الحقيقة اليوم بلسان الشارع الذي يغصُّ بالهائمين على وجهوهم في الزمهرير هربًا من القصف والموت من قراهم في معرة النعمان والقرى المحيطة بها؛ الرسالة الأولى للضمير العالمي الذي يشاهد المجزرة ولسانه (أكله القط) كما في المثل الشعبي، وإن حكى فمبلغ كلامه القلق والنداءات الإنسانية، بل إن ترامب غرَّد منذ يومين عبر تويتر بشأن إدلب قائلًا: “إن دول روسيا وسورية وإيران تقتل أو تتجه إلى قتل آلاف المدنيين الأبرياء في محافظة إدلب، لا تفعلوا ذلك!” سيد ترامب إن القتل في سورية لم يتوقف منذ سنوات، وإن الدول التي ذكرتها قتلت الآلاف من السوريين وما تزال، وبدل قولك لهم: لا تفعلوا ذلك وأنت تشاهد ما يفعلونه، اكسر يدهم بدل أن تقول لهم: (بِسْت)، أم أنك تريد أن تشرب نخب السنة الميلادية الجديدة على دماء الأبرياء؟! ألا يكفي توثيق سبع مجازر حتى الآن منذ بدء الحملة العسكرية على ريف إدلب الشرقي والجنوبي منذ أسبوعين، قُتل فيها 84 شخصًا بينهم 21 طفلًا و16 امرأة، وجُرح 173 شخصًا، بينهم 26 طفلًا و23 امرأة، بحسب الدفاع المدني، وتهجير أكثر من مئة ألف إنسان؟!
أما الرسالة الثانية فهي للضامن، ونحن نعلم أن الضامن (عدَّاد) أي متكفل بما سيحدث في حال تم الإخلال بالاتفاق، والظاهر أنه لم يتكفل حتى بتأمين خيم التهجير، فضلًا عن إسكات هدير الطائرات التي عملت قصفًا وقتلًا مدة أسبوعين ولم تتوقف إلا قبل ثلاثة أيام بعد أن هيأت الظروف لاحتلال عشرات القرى التي لن تعود إلى أهلها مرة أخرى، وعند توقف الحملة مبدئيًا حلال عليكم القرى التي دخلتموها بالحديد والنار على مبدأ (حلال على الشاطر)، علمًا أن القصف عاد ليلة البارحة، إذًا نحن في لعبة الوقت والاحتلال على دفعات مخافة حدوث كارثة إنسانية كبيرة من قتل وتهجير ليس لصالح أحد، والسؤال: أين ستتوقف آلة الإجرام الروسية والنظام؟ نحن نسأل حتى نعرف إلى أين نتجه بدل أن نُقتل وتهدم بيوتنا وتُحرق أرزاقنا المتبقية ويُقتل المزيد من أهلنا وشبابنا، نحن نسأل لأننا ضمن تطبيق اتفاقيات (سوتشي)، لكن هيهات بين اتفاق وآخر، فمثلًا الفرق بيننا وبين (قسد الإرهابية)، أن الأخيرة طبَّقت اتفاقيات مع الروس والنظام دون فواتير دماء ودون خراب، أما نحن نطبق الاتفاقيات لفترة تسكت فيها المدافع والطائرات ثم تعود للعمل من جديد والنتيجة احتلال أرضٍ جديدة ودماء وتهجير، والمشكلة أن السيناريو يتكرر منذ سنتين إلى الآن، لكن للأمانة خرج المتحدث باسم الرئاسة التركية، (إبراهيم كالن) في مؤتمر صحفي، الثلاثاء الماضي، قائلاً: “إن تركيا أرسلت رسالة حازمة إلى روسيا بشأن هجوم النظام السوري العسكري على مناطق ريف إدلب.” جزاكم الله خيرًا فقد توقف القتل وتهجرت الناس، لكن هل ستعود القرى التي تم احتلاها أم أن مصيرها كريف حماة الشمالي وخان شيخون من قبل؟! هل نقول انتهى حفل القتل والاحتلال إلى هنا أم أن هناك المزيد؟ نحن المهجرين لن نقول إن الأمر بيع وشراء (لأني ما ملكتم حتى تبيعون) (القفلة) عندنا أن اتفاق خفض التصعيد بما تبقى منه يفسره المثل الشعبي باختصار (دافنيوا سوا) والسوريون يعرفون المثل جيدًا.
والرسالة الثالثة إلى المقاتلين على الأرض، فقد آن لكم أن تعرفوا مسلسل احتلال القرى ولعبته الزمنية، لا ينقص الزود عن الأرض والعرض شيئًا، منذ سنوات كان بأسنا بين بعضنا والحجج كثيرة منها التفرقة، لكن عند السيطرة بالتغلب لم نستفد شيئًا! فإن أدرتم القتال لمَ لا تبادرون بمحاور ومعارك ذات بعد إستراتيجي بدل استنزاف الشباب في معارك رد الفعل؟
أخيرًا، إن الأمر بسيط جدًا، يتجسد بملء الفراغ الشعبي من قِبل من تبوَّأ السياسة، لأن عدم الملء بما هو صحيح وممارسة التكتم والفعل السياسي بالخفاء والمفاجأة، سيأتي من يصطاد بالماء العكر ويقول للشعب ما يريده، وبالتالي ستكون القطيعة بين السياسي والشعب والنتيجة اتساع الفجوة إلى درجة بات من الصعب ردمها، لأن (من كانت يداه بالماء ليس كمن يداه بالنار).