علي سندة |
يبدو أن تصريحات وزير الخارجية التركي (مولود جاويش أوغلو) الأخيرة أثناء مقابلته مع قناة cnn Türk تعكس تعقد المشهد بين الطرفين (التركي، والروسي) في إدلب، حيث صرَّح (جاويش أوغلو) قبل يومين قائلًا: “وقف إطلاق النار ضروري لاستمرار العملية السلمية، لكن يجب على المعارضة الدفاع عن نفسها أمام خرق النظام لوقف إطلاق النار والمبادرة بالهجوم.”
تصريح جاويش أوغلو السابق، يُعد مُغايرًا تمامًا في شقه الثاني مع حديث الرئيس أردوغان عن هدنة دائمة في إدلب مع بوتين التي كان من المفترض أن تدخل حيز التنفيذ في 12 من الشهر الجاري، إلا أنه لم يتغير شيء على أرض الواقع منذ ذلك الإعلان، فالقصف والقتل مستمران، ما دعا أردوغان للقول بعد يومين من عدم الالتزام باتفاق الهدنة الدائمة: “إذا استدعت الضرورة فنحن نملك العزيمة على وقف خروقات النظام السوري لوقف إطلاق النار في إدلب.”
هذه التصريحات توافقت مع تصعيد الآمال من قِبل المعارضة ليس فقط بصد الهجوم النظام السوري الحالي، إنما ذهب البعض إلى أبعد من ذلك بإمكانية هجوم المعارضة على نقاط الميليشيات الروسية في حلب، أو ميليشيات النظام، وبوادر ذلك بدأت تظهر باعتراف وزارة الدفاع الروسية في بيانٍ لها يوم أمس، حيث قالت: إن 12 من عناصرها قـتــلوا، وأصـيب 24 في إدلب وحلب واللاذقية وحماة، وذلك خلال 24 ساعة الأخيرة فقط.
واستنادًا إلى الموقف التركي الأخير حيال ما يجري في إدلب فإن خيارات التفاوض الجديدة تُقرأ من جانبين: الأول، أن ما تفعله روسيا حاليًا من قصف وتدمير موجود ضمن اتفاق سوتشي أيلول 2018 ضمن محاربة الراديكاليين والعمل على تطبيق مقررات سوتشي التي عجزت عن تطبيقها تركيا إلى الآن، وبالتالي تُقرأ التصريحات الأخيرة لأنقرة على أنها تنفيسة لغضب شعبي تمهيداً لسلسلة نتائج الحل السياسي السابقة، وتبرئة للموقف على مبدأ (أيها المعارضة فتحنا لكم كل الخيارات التي تريدونها وخلصنا من ذمتنا)، وبالتالي إعادة ما قالته أمريكا لثوار درعا سابقًا (خلصوا أنفسكم بأنفسكم).
وأما الجانب الآخر فهو وجود خلاف في محور الحل الروسي التركي في إدلب، لتمادي موسكو في إجرامها مع النظام في انتهاج سياسة القتل والتدمير وعدم إشباع نهمهم للدماء والعمل على فتح الطرقات الحيوية دون أنقرة (الضامنة) وتهجير المزيد من السوريين، ما دعا الأخيرة إلى التلويح بورقة التفاوض الأخيرة ضمن (مباراة صفرية) فيها غالب ومغلوب والميدان هو الحكم والفيصل، فكان الردُّ بتصريح أردوغان الأخير ووزير خارجيته جاويش أوغلو متطابقين بلهجة التصعيد واحتمال التفاوض مع النظام ومن خلفه روسيا بالمعارك الحقيقية وأخذ زمام المبادرة، وهذا ما بدا واضحًا من خلال هجمات الثوار الأخيرة التي هي ترجمة لرسالة أنقرة إلى روسيا قبل لقاء برلين المرتقب، إذ صرَّح أردوغان أنه سيبحث مع نظيره بوتين الوضع في إدلب.
إن حقيقة الصراع السياسي الخارجي بين تركيا وروسيا في وجه الخلاف فقط، لا سيما في إدلب ومؤخرًا في ليبيا، لا يأخذ بجريرته العلاقات الاقتصادية، فمنذ أسبوع ونصف تقريبًا كان بوتين في تركيا يُدش ويبارك مشروع غاز السيل التركي، على مبدأ كل سلة لوحدها والملفات الأخرى ملاعب وحلال على (الشاطر) في حال الخلاف وعدم الاتفاق فيها.
إن صحَّ قول جاويش أوغلو الأخير بوجوب المعارضة الدفاع عن نفسها أمام خرق النظام لوقف إطلاق النار والمبادرة بالهجوم، وامتلاك أردوغان العزيمة على وقف الخروقات، بحسب ما صرحا مؤخرًا، فالثوار اليوم أمام فرصة تاريخية يثبتون فيها عودة تغريد البنادق بحرية خاصة أنهم خبروا القتال لسنوات وتنظمت صفوفهم، وما بقي من أرضٍ محررة هي ملاذهم الأخير، فهل نشهد في الأيام القادمة أحداث جديدة تعيد الأمور إلى بداياتها؟ أم أن للتغيرات السياسية طرح آخر؟