غسان الجمعة |
تستمر تركيا بإرسال تعزيزات عسكرية إلى عمق محافظة إدلب بالتوازي مع حشد روسيا والنظام السوري لمزيد من الميليشيات على تخوم جنوب إدلب وشرقها، مع استمرار الميليشيات الإيرانية بعمليات الاستطلاع الجوية والأرضية، حيث تتصدى قوات المعارضة السورية لخروقات مجموعاتها المتسللة بشكل شبه يومي، وجراء ذلك أُجبرت قوات المعارضة على إعلان بعض المناطق في جبل الزاوية منطقة عسكرية.
هذه الحشود المتبادلة بين الطرفين باتت تنذر بانفجار الوضع في إدلب مجددًا مع تشكل ظروف دولية جديدة بالمنطقة والعالم عمَّا كان سابقًا بالحملة الأخيرة، حيث خسرت المعارضة ريف حلب الغربي وأجزاء واسعة من ريف إدلب الشرقي والجنوبي.
فالروس عقب جائحة كورونا باتوا أقل حماسًا تجاه سياسات (بوتين) الداخلية لا سيما مع سعيه لتفصيل دستور جديد على مقاسه، فلذلك يسعى للبحث عن انتصارات جديدة على الساحة الدولية للتمويه على سياساته الاستبدادية، وإن كانت الأوليغارشية الحاكمة في موسكو لا تعير اهتمامًا للصوت الشعبي، إلا أن ما يشهده العالم من احتجاجات ضد العنصرية على سلطات الدول تحمل في طياتها تخمة من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ليس بوتين ببعيد عنها، فلذلك قد يلجأ إلى حمل خطاب نصر جديد مع حصوله على دستوره الخاص.
كما أن الوضع بالنسبة إلى محافظة إدلب من وجهة النظر الروسية من الممكن ربطه بشكل أكبر بالوضع الليبي، فإدلب التي تعدُّ صندوق بريد روسي للأطراف الفاعلة بالملف السوري، باتت خطاً ساخناً بين موسكو وأنقرة، ومن الممكن أن تضغط روسيا على تركيا من خلال هجوم على إدلب لحفظ مصالحها ومرتزقتها من الحسابات التركية في معارك طرابلس الحالية.
أما عن النظام السوري فهو ليس أهلاً لاتخاذ القرار بالحرب، إلا أنه بيدق متحمس لمزيد من الجرائم بحق السوريين الذين سيبيعهم وَهْم انتصاراته الكاذبة وإن كانت بمدن وبنى مدمرة ولن يجد مع الإيرانيين رداً على قانون (قيصر) أفضل من ارتكاب المزيد من الانتهاكات، والدفع بالمزيد من المدنيين تجاه الخيام على الحدود السورية التركية.
من جهة أخرى يمكن للنظام السوري الاستثمار في معركة إدلب من خلال تقديم خدمة ارتزاقه للدرهم الإماراتي في صراع أنقرة مع أبو ظبي، حيث تعود لتلتقي مصالح كل من بوتين والأسد وبن زايد في إدلب للرد عمَّا حدث لهم جراء تطورات الوضع الليبي.
كل هذه المعطيات لا تعني بكل حال أن تحرك روسيا تجاه إدلب سيحقق لها تقدمًا على الأرض، فأنقرة أسست لوجودها في إدلب على خلاف مناطق سيطرتها في الشمال السوري من خلال اعتمادها الكامل على قدراتها العسكرية البشرية والتقنية وبمعدات أكثر تطورًا ودقة، وبانتشار لا يوحي بإمكانية أن تتصرف وحداتها الحالية كما تصرفت نقاط مراقبتها في مورك وغيرها مع وجود أسلحة دفاعية وهجومية وطبيعة جغرافية مختلفة عن المعارك السابقة.
غير أن الثابت في حال اندلاع المواجهة هو أن اضطرابًا كبيرًا سيطرأ على الخريطة السياسية و الجغرافية في ساحات المواجهة بين البلدين، وحشر المزيد من المدنيين على شريط الخيام.